الرئيسية / كتاب الموقع / الطب في الرمثا في الاربعينيات والخمسين

الطب في الرمثا في الاربعينيات والخمسين

الدكتور سعيد البشير

من سلسلة ذاكرة الماضي

الطب في الرمثا في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي

الجزء الاول :

 

لم يكن في الرمثا في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي ، عيادات او مراكز صحية او مستشفيات كما هو الآن . ولكن ، لقد ذكر لي والدي رحمه الله انه كان هناك طبيباً في الرمثا في آوائل الاربعينات يُدعى ” انيس ايراني ” . لا ادري من أيّ جهة قدم الى الرمثا ، وقد كان صديقاً لجدي رحمه الله تعالى ، ولكنه في نهاية الاربعينات وربما في آوائل الخمسينات قد غادر الرمثا الى عمان . واعتقد انّ احد ابنائه او احفاده ( لست متأكداً من ذلكك ) قد اصبح وزيراً للبيئة قبل عدة سنوات .

وفي اوائل الخمسينات وربما قبل ذلك بقليل ، وبعد نزوح العديد من اخواننا الفلسطينيين الى شرق الاردن ، واستيطان عدد كبير منهم في الرمثا ، قامت وكالة الغوث الدولية بافتتاح عيادة لهم في الرمثا ، حيث كان مقرها في منزل المرحوم ناصر الفواز البركات ، بجانب المطحنة ( ببور ناصر ) في الحي الغربي . وعهد الى ممرض ( تمرجي ) هكذا كان يسمى في ذلك الحين ، وهو من الطائفة المسيحية يدعى لطفي ، وكان مثالاً للطف والخلق الكريم . كان لطفي يعالج الحالات البسيطة للجميع دون تميّز ، ويترك الصعبة للطبيب الذي كان يزور العيادة مرةًفي الاسبوع . وكان لطفي صديقًاً عزيزاًلجدي رحمه الله ، وكان بينهما زيارات عائلية . واذكر انني قد مرضت مرةًبالملاريا وهو مرض صعب ( وكان احد الامراض السارية في ذلك الوقت ) . اخذني والدي رحمه الله الى عيادة لطفي ، ووصف لي ( او بالاحرى اعطاني من عيادته ) حبوباً صفراء قيل لي انها حبوب كينا ، وقد شافاني الله عزوجل على يديه .

وفي أواخر الخمسينات افتتحت وزارة الصحة عيادة صحية ، عهد الى ممرض ( تمرجي ) اسمه عيسى ، وكانت هذه العيادة في منزل المرحوم عبد العزيز البركات مقابل المسجد العمري من الجهة الغربية ، وهذه العيادة كانت لمعالجة الحالت البسيطة والاسعافات الاولية ، وزرق الحقن ( الابر ) التي يصفها الطبيب الذي كان يزور هذه العيادة اسبوعياً.

عدى هاتين الحالتين المذكورتين اعلاه ، لم يكن في الرمثا الا طبيبات مشهورات في الطب العربي الشعبي ، وهن ما يدعين بالدايات ( القابلات و لم يكنّ قابلات قانونيات ) . يولّدن النساء الحوامل ، ويكشفن عليهنّ .

وهؤلاء الدايات كنّ هنّ الطبيبات ايضاً ، فكنّ يعالجنّ الاطفال الصغار في حالات كثيرة ، واكثر ما يعتمدن عليه في علاج الاطفال الصغار ما كان يسمى ( بالزعوط ) وهو عبارة عن بعض الادوية الشعبية تدعى المرمكة والعنزروت وغيرها بعد تذويبه بالماء وتزعط به الطفل ( أي تضعه في انفه ) . واذا كان الطفل مملوع أيْ كتفه مخلوع ، فإنّ الداية ( الطبيبة ) تدهنه بزيت الزيتون ، وتعمل له بعض المساجات الخاصة التي تتقنها . اما اذا كان الطفل يتقيأ كل ما يرضعه من الحليب ويعاني من الم شديد في بطنه ، فتشخصه الداية بخبرتها الطبية بأن ّ هذا الطفل ( مبعوج ) فتعمل له لبخة ، وذلك بأن تحضر قطعة قماش وتضع عليها بيضةً مخفوقة مع الشعر ، ثم تضعها على بطن الطفل ، فيشفى بإذن الله ، واعتقد ان هذه الطريقة لا تزال يعمل بها الى الآن .

اما الاطفال الذين يتراوح اعمرهم ما بين السنتين والاربع سنوات ، فقد كانت الدايات يستعملن المعالجة بواسطة ما يسمى ( الحطوطة ) ، والحطوطة عبارة قطعة صغيرة من القطن او الصوف وتضع عليها بعض القطران ، او الادوية الاخرى او ما يسمى ( الخامشة ) وهي نوع من النبات ثم تضعها في شرج الطفل ، وتشبه التحميلة في هذه الايام . وتلجأ الداية الى الحطوطة لزيادة المناعة عند الطفل ، وتقوية الابصار في عينيه . واذا كان الطفل يعاني من الاسهال الشديد ويخرج مع برازه بعض الدماء ، فكانوا يسمون ذلك ( تقريطة ) ، فكانت الداية تحضر تحضر بعض ( الملال ) وكان الملال يؤخذ من ساس الفرن ( الطابون ) وهو بعض القش او التبن الذي كان يغطى به الفرن ويشعل به النار ويغطى بالسكن ( صفوة التبن او الزبلة المحترقة ) ، وبعد أخذ الملال يوضع في خرقة ثم تقوم الداية باجلاس الطفل فوق الخرقة المحشوة بالملال الحار مدة ً من الوقت ، وبعد مرة او مرتين يشفى الطفل باذن الله . وهذه العملية لها اسم ، ولكن للأسف لم تسعفني الذاكرة بتذكرها ، علماًبأنني سألت من هو اكبر مني سناً فلم يتذكرها .

اما البالغين ، فقد كانت الدايات ( الطبيبات الشعبيات ) يعالجنّ بعض الامراض بالاعشاب التي سأذكر بعضها لاحقاً. فأما اذا كان احد البالغين ( رجل او امرأة ) يعاني من الم في ظهره او ركبته او ساقه ، فإنّ الطبيبة الشعبية ، تُحضر عشبة جافة تسمى ( قدحة ) تضعها على مكان الالم ، ثم تقوم بحرقها حتى يصل الحرق الى الجلد ، وهذا ما يسمى بالكي او المكوى ( أخر العلاج الكي ) . وفي اليوم التالي يقوم المريض بوضع حبة حمص على الكي كي يمتصص ( العمل ) الذي يخرج من المكوى ، وبعضهم يضع عليه بعض النخاع الذي يستخرج من عظم الذبيحة ، ثم يغطيه بورقة كدش او ورقة عنب ، ويغيّر المريض على ( المكوى) يوميا حتى الشفاء التام . والبعض الآخر ( يدق ) على مكان الالم ، وذلك بأن يحضر قطعةً من الفحم ويذيب بعضها في الماء ويضعه على مكان الالم ، ثم يحضر مجموعة من ابر الخياطة من ثلاثة الى اربع ابر ويضمهن الى بعضهن بواسطة خيط رفيع ، ثم يبدأ بوخز مكان الالم حتى يخرج الدم فوق الجلد وهو ما يشبه الوشم . وكان البدو اذا اصاب احدهم جرحاًعميقاً، حيث لا يوجد اطباء هناك فيلجأون الى كي الجرح بسيخ من الحديد بعد وضعه على النار حتى يحمرّ ، ثم يكوون الجرح . والملاحظ انّ هذه العمليات مؤلمة جداً.

الى اللقاء في الجزء الثاني

10 تعليقات

  1. دكتور سعيد البشير الشقران

    الاخ ابو نضال المحترم
    اشكرك اشكرك على مرورك الكريم ، اما فيما يتعلق بطلبك حول طلب الغيث ،سوف اقوم بذلك انشاء الله مستقبلا،

  2. الله يعطيك العافبه صديقنا العزيز ويديم الذاكره الجيده وان شاء الله تكتب لنا التغييث فقد كنا فى مثل هذه الايام نخرج فى الشوارع بمجموعات كبيره نستغيث وما كدنا نعود حتى ينزل المطر المبارك وشكرا سلفا

  3. دكتور سعيد البشير الشقران

    الاخ تيسير المحترم
    تحيةً وبعد ، اولاً شكراً على مرورك الكريم ، اما المعلومات التي ذكرته فهي صحيحة ، وسترد في الجزء الثاني منوهذ البحث ، ارجو متابعتي في الجزء الثاني ، سينشر قريباً

  4. taisier daraiseh u.s.a

    سيادة الدكتور, شكرا على المعلومات .اتذكر من الدايات. الحجة تاسيه؟الحجة هلاله رويلي والحجة فيده رحمهن الله. ولا يوخضن اجار واحيانا يوخضن معهن زوج زغاليل او صفط راحه. جازهن الله خير.

  5. الحجة فضه الله يرحمها اشهر من حط حطوطة للولاد من الرمثا

  6. دكتور سعيد البشير الشقران

    الى الاخ وجهة لد
    اشكرك كل الشكر على مرورك الكريم وكلماتك الجميلة

  7. دكتور سعيد البشير الشقران

    اولا شكراً لك باش مهندس سلطي ، واحمد الله انني وجدت ان احد القراء ، يعرف هذا الطبيب الذي بدأ حياته في الرمثا ، وذكر لي والدي انه انّ الدكتور انيس ايراني هو الذي قام بختاني . اما فيم يتعلق بجمع هذه الذكريات في كتاب فإنني افكر جديا بذلك شكراً لكم

  8. سلطي فندي الفارس الزعبي

    صباح الخير …جيلنا عايش تلك الفتره. ..نعمد.انيس إيراني بقي اتصالنا معه في عمان وكانت عيادته فوق سوق البخاريه مقابل المسجد الحسيني قريب من فندقنا ونعم ولده أصبح وزيرا …
    شكرا للذكريات والتي أرى ان تجمع في كتاب عن الرمثا .

  9. ما شاء الله

    بارك الله بكاتبنا المتميز الموسوعة

  10. الحلو في الموضوع انه انا مش عارف الكاتب اصلا ارجو من الاخ الكاتب ان يضع اسمه على كل مقال يكتبه وشكرا لهذه المعلومات
    المحرر.. الخطا من التحرير نعتذر منك تم كتابة اسم المؤلف