الرئيسية / منوعات / “ذبابة الجندي الأسود” ما هي؟ وما علاقتها بمعالجة النفايات؟

“ذبابة الجندي الأسود” ما هي؟ وما علاقتها بمعالجة النفايات؟

الرمثانت

لن يبقى في المستقبل القريب أي وجود لبقايا الطعام والنفايات العضوية الأخرى داخل مكبات النفايات في الإمارات العربية المتحدة، فيرقات “ذبابة الجندي الأسود” ستتولى المهمة لمعالجة الأمر.

بدأت الإمارات الأسبوع الماضي تطبيق تلك التقنية بعد توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين وزارة التغيير المناخي والبيئة وشركة “سيركا بيوتيك” Circa Biotech ومقرها في أبوظبي، التي تزرع يرقات “ذبابة الجندي الأسود” من طريق إطعامها بقايا الطعام.

في تغريدة سابقة لوزيرة التغيير المناخي والبيئة الإماراتية مريم المهيري قالت: “تعد هذه الاتفاقية جزءاً من حملة دولة الإمارات العربية المتحدة المستمرة لتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة على أساس الابتكار والتنمية الخضراء والتخفيف من آثار تغير المناخ”.

ووفق بيان رسمي للوزارة فإن “بهذه الطريقة، نخلق فرصاً اقتصادية مستدامة تعزز مرونة سلسلة التوريد الغذائي الخاصة بنا مع تحويل النفايات من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي”.

يرقات هذا الذباب تفرز حوامض مفيدة
“تنتج المدن الضخمة مثل دبي كميات كبيرة من النفايات العضوية التي يتم التخلص منها بشكل مباشر في مدافن النفايات، ففي الإمارات العربية المتحدة وحدها، يتم إنتاج نحو 197 كلغ من نفايات الطعام لكل مقيم سنوياً، أي ما مجموعه 2.000.000.000 كلغ من نفايات الطعام”، تقول الدكتورة كريستين وونغ (واحدة من مؤسسي شركة “سيركا بيوتيك”) لـ “النهار العربي”، مضيفة: “بدلاً من إلقاء النفايات العضوية في مكبات النفايات، تقوم شركتنا بإعادة تدوير النفايات العضوية إلى منتجات عالية الجودة باستخدام يرقات ذبابة الجندي الأسود”.

وتُعتبر يرقات “ذبابة الجندي الأسود” مصدراً مستداماً للبروتين لمزارع الأسماك والدجاج في البلاد، لتكون بديلاً من مسحوق السمك ووجبة فول الصويا، والأسمدة العضوية كمنتج ثانوي لتربية يرقات ذبابة الجندي الأسود، يمكن استخدامها في المزارع النباتية.

ولا تتوقف فوائد تلك الحشرات على المساهمة في حماية الأمن الغذائي والتغيير المناخي فحسب، فهي ستلعب دوراً أساسياً في تطوير منتجات صيدلانية وكيميائية أيضاً.

تقول الدكتورة وونغ في هذا السياق: “حمض اللوريك، وهو المحتوى الرئيسي لزيوت يرقات ذبابة الجندي الأسود، قابل للتطبيق في الأدوية ومستحضرات التجميل التي ستتحول إلى مستحضرات عضوية لا تؤذي البشرة والشعر بل على العكس تماماً، كذلك الكيتين الذي يتم الحصول عليه من الهيكل الخارجي لهذه اليرقات يمكن تعديله كيميائياً لإنتاج الكيتوزان، وهو أمر محتمل لأنظمة تنقية المياه بجودة عالية في وقت نشهد حروباً على الماء والمخاوف من الجفاف وغيرها”.

ستنتج الشركة لوزارة التغيير المناخي والبيئة الإماراتية مبدئياً نحو 1.5 طن من السماد العضوي شهرياً وذلك بهدف معالجة 200 طن من نفايات الطعام يومياً. وستزيد كمية الإنتاج مع الوقت.

دول كثيرة بدأت اعتمادها
قد يعتقد البعض أو ربما يتخوّف من كيفية الاعتماد على حشرة في موضوع بيئي غذائي، ولكن الجواب بكل بساطة هو أن هذه الحشرة لا تنقل الأمراض ولا تسبب أضراراً أو إصابات وهي من الأنواع غير الغازية، وفقاً لعدد من المراجع العلمية ومنها موقع better origin البريطاني.

مع الإشارة إلى أن دولاً كبيرة بدأت منذ فترة وجيزة اعتماد تلك التقنية التي انطلقت أساساً من جنوب أميركا وأصبحت معتمدة منذ العام 2018 في جنوب أفريقيا كذلك في هولندا، فيما قررت الحكومة الماليزية أخيرا (في نيسان/أبريل 2022) اعتماد هذه التقنية رسمياً عبر وزارة البيئة والمياه، أما على الصعيد العربي فالإمارات هي الوحيدة التي تعتمدها حالياً.

تقنياً يشرح الدكتور هيثم الرياحي (المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Circa Biotech) لـ “النهار العربي” كيفية تربية تلك الذبابة قائلاً: “يمكن حصاد اليرقات كل 14 يوماً، نظراً الى دورة الحياة القصيرة التي تبلغ 45 يوماً والخصوبة العالية لذبابة الجندي الأسود. وتتم تربية اليرقات في بيئة مزودة بأجهزة استشعار تسجل درجات الحرارة في الوقت الحقيقي والرطوبة ومستويات ثاني أوكسيد الكربون تحت إضاءة خاصة، فكل هذا معاً يضمن استهلاكاً فعالاً للمياه وله تأثير محدود في البيئة”.

أما في شق التكلفة فيقول رياحي: “هذه التقنية غير مكلفة للحكومات إذا ما قارناها بالوسائل والتقنيات الأخرى التي تستنزف الوقت والمال، فعند تطبيقها بطريقة معيارية مثل تلك التي طورتها شركتنا، فإنها تقلل التكاليف بشكل كبير ويمكن تكييفها وتنفيذها في العديد من المدن الحضرية مثل المدن في لبنان ومصر والعراق وغيرها من الدول التي ترمي كميات كبيرة من النفايات، ما يقلل من انبعاثات الكربون الإضافية من نقل النفايات إلى محطات المعالجة”.

ذباب الجندي الأسود لزيادة الإنتاج النفطي وخلاصنا من تهديدات الأمن الغذائي، والسؤال هل يمكن الاستفادة أكثر من تلك اليرقات وأبعد من التخلص من النفايات العضوية؟ وهل ستحل بعضاً من مشاكلنا البيئية وتبدد مخاوفنا على أمننا الغذائي مستقبلاً، في ظل الحروب الدائرة بسبب هذه المشاكل، والخطر الكبير الذي يلف كوكبنا الأزرق؟

يجيب الرياحي: “يعالج نظام زراعة BSF (يرقات الذباب الأسود) النفايات، ولكنه ينتج أيضاً منتجات ذات قيمة عالية، اذ تُجفف الحشرات التي يتم حصادها كغذاء بروتيني لتغذية الحيوانات (دجاج، سمك، حيوانات أليفة، إلخ). يعد الأمن الغذائي قضية ملحة للغاية بالنسبة الى العديد من البلدان في الوقت الراهن، كما أن علف الحيوانات أمر بالغ الأهمية لتأمينه، بخاصة بالنسبة الى البلدان المنتجة للماشية”.

ويتابع: “على صعيد آخر يمكن عصر تلك الحشرات بعد موتها للاستفادة من تركيبتها الكيميائية في صناعة النفط والغاز، كذلك تعتبر البقايا سماداً عضوياً عالي الجودة بعد أن تتغذى الحشرات على النفايات العضوية، كما يسعى المزارعون إلى تحقيق ذلك بشكل كبير بعدما ارتفعت أسعار الأسمدة بما يقارب 300 في المئة خلال الأشهر الماضية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات”.