الرئيسية / من هنا و هناك / ​هكذا تسرق إسرائيل نفط الفلسطينيين من تحت أرجلهم

​هكذا تسرق إسرائيل نفط الفلسطينيين من تحت أرجلهم

الرمثانت

يعود تاريخ التنقيب عن النفط في فلسطين إلى أكثر من مئة عام، وتحديداً إلى آذار (مارس) عام 1914 بعد الحصول على تصريح من الحكومة العثمانية للبحث والتنقيب في المناطق المجاورة لمدينة بئر السبع. وتم بيع 11 رخصة إلى شركة “ستاندرد أويل أوف نيويورك”، لكن نشوب الحرب العالمية الأولى أدى إلى تعطيل عمليات المسح والاستكشاف.

وعام 1928، وبعد احتلال بريطانيا فلسطين، وبداية الصراع الدولي بين الشركات الأميركية والبريطانية على البترول في الشرق الأوسط، رفضت السلطات البريطانية الموافقة على عودة شركة “ستاندرد أويل أوف نيويورك” إلى العمل.

لكن الصراع بين الشركات ما لبث أن انتهى لتقوم في عام 1932 “شركة نفط العراق” بفتح مكتب جيولوجي في مدينة القدس، حيث حصلت على 29 رخصة تنقيب عام 1939، وبدأت المسوحات لتحديد مواقع العمليات. إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية أوقف عمليات الحفر كافة. وفي عام 1946 بدأت الشركة الحفر في منطقة حليقات إلى الشمال من قطاع غزة، اعتماداً على المسوحات السابقة، كما تم الحفر بالقرب من قرية كرنب إلى الجنوب الشرقي من مدينة غزة، لكن تعثرت هذه الأعمال نتيجة نشوب حرب عام 1948 والاحتلال الإسرائيلي للبلاد.

لكن منذ احتلالها فلسطين، برز اهتمام إسرائيل الواضح بالتنقيب عن النفط، وكثفت السلطات الإسرائيلية عملياتها وحفرت ما يقارب 383 بئراً من أجل العثور على النفط والغاز، لذلك أقرت عام 1952 قانون البترول. ولتشجيع الشركات المحلية على الاستثمار في القطاع النفطي، أسست “شركة النفط الوطنية” عام 1958، وخصصت موارد سنوية ضخمة للتنقيب عن النفط اقتطعتها من موازنة الدولة، إضافة إلى التعاون مع شركات نفطية يهودية من الولايات المتحدة، كندا والعالم، للاستثمار في عمليات الاكتشاف والإنتاج.

أبرز حقول النّفط والغاز في الضّفة الغربيّة
في بداية التسعينات من القرن الماضي، كثفت إسرائيل حملتها للتنقيب عن النفط والغاز، وعام 1994 بدأت شركة “جفعوت عولام” الإسرائيلية الحفر في حوض مجد الواقع على أرضي بلدة رنتيس غربي مدينة رام الله، المعروفة بأهميتها الطبيعية، وذلك من خلال الآبار “مجد 2″، “مجد 3″، و”مجد 4″، ودلت المؤشرات على وجود نفط بكميات تجارية إلى الشرق من تلك المواقع، وتم اكتشاف حقل البترول، على مساحة تراوح بين 600-700 كيلومتر مربع، وتبين أن المناطق الغنية بالنفط يقع معظمها إلى الشرق من الخط الأخضر بعرض عشرة كيلومترات وبامتداد عشرين كيلومتراً، وهذا يعني أن معظم الحقل النفطي يقع في أراضي الضفة الغربية.

بين عامي 2010-2011 بدأت إسرائيل البيع من الحقل النفطي الذي أطلق عليه اسم “مجد 5” بعيداً من أعين الفلسطينيين، ويبلغ الاحتياط النفطي من بئر البترول المكتشف أكثر من 1.5 مليار برميل نفط، و182 مليار قدم مكعبة من الغاز. وبلغ معدل الضخ اليومي 800 برميل يومياً تستغلها إسرائيل بالكامل، وتقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 155 مليار دولار، ولأن الحقل النفطي بمعظمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كثفت إسرائيل من نشاطها في البحث على طول الخط الأخضر بين مدينتي قلقيلية ورام الله.

وبحسب المعطيات الإسرائيلية، فقد قدر المخزون بين 186 مليون برميل و800 مليون، في حيز لا يزيد عن 50 كيلومتراً مربعاً خلف الخط الأخضر، علماً بأن غزارة المخزون تزداد كلما تم الاتجاه شرقاً، وكشفت عمليات التنقيب أن مخزون النفط يشكل طبقة يبلغ سمكها 600 متر، ويقع في عمق يراوح بين 4200 و4800 متر في الأرض، لذلك سعت إسرائيل إلى حفر بئر سادسة للتنقيب عن النفط خلف جدار الفصل العنصري المقام على أراضي رنتيس، كما أنها خططت لحفر 40 بئراً، 26 منها لاستخراج النفط والغاز معاً، والباقي لاستخراج النفط فقط.

التّنقيب عن الغاز قبالة شواطئ غزة
وعام 1998 تم اكتشاف حقل للغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة (“مارينا 1”) قدرت كمية الغاز فيه بأكثر من 333 مليار متر مكعب، ليضاف إليه حقل “مارينا 2” على بعد 36 كيلومتراً من شاطئ غزة، والحقلان اكتشفتهما شركة “بريتيش غاز” البريطانية، ليضافا إلى حقول الغاز الأخرى التي تم اكتشافها خلال العقود الأخيرة، علماً بأن إسرائيل ترفض رفضاً تاماً السماح للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بالتنقيب عن النفط أو الغاز أو حتى الاستثمار والبيع.

وفي ظل تصاعد الحديث أخيراً عن أهمية الغاز والنفط في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، بخاصة بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وطرح إسرائيل “الغاز الإسرائيلي” كبديل لأوروبا، تبرز تساؤلات عن كيفية تحكم إسرائيل بالثروات النفطية ومصادر الطاقة الخاصة بالفلسطينيين، وما هي طبيعة الاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين وإسرائيل بشأن حقول النفط والغاز.

وللوقوف أكثر عند هذه القضية ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، اتصل “النهار العربي” بالجيولوجي الفلسطيني الدكتور عبد الرحمن التميمي، وهو المدير العام لمجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، فقال: “في تقديري أن التركيز الفلسطيني خلال المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية في أوسلو كان على حوض مارينا قبالة شواطئ غزة، ولم ينتبه الفلسطينيون على رغم معرفتهم بأن بلدة رنتيس والمنطقة المحاذية للخط الأخضر قد تكون منطقة غنية بالنفط، وبالتالي في اتفاقية أوسلو لم يتم ذكر النفط لا تصريحاً ولا كتابة”.

هل هذا هو سبب عدم أحقية الفلسطينيين باستخدام نفطهم والاستفادة منه؟
أجاب التميمي: “بحسب اتفاقية أوسلو هناك نقطتان: الأولى مواقع الآبار أو ما يُسمى مكامن احتمالية لوجود نفط أو غاز، تقع في مناطق (ج) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية وفقاً للاتفاق، وهذا ما لم ينتبه له المفاوضون الفلسطينيون في ذلك الوقت، بالنسبة إلى حوض غزة (مارين) فيُعتبر وفقاً للقانون الدولي جزءاً من شواطئ غزة، بغض النظر عن وجود اتفاق مع الإسرائيليين أولاً، وهو جزء من المياه الإقليمية الفلسطينية في غزة”.

وأضاف التميمي أن المشكلة مع الغاز الطبيعي أنه بالإمكان سحبه من مكان إلى آخر، وهذا أحد أسباب الخلاف بين دول شرق حوض البحر الأبيض المتوسط (تركيا، قبرص، اليونان، مصر، لبنان، سوريا)، كل هذه الدول تدور الخلافات بينها على آليات تقاسم الحوض، لأن من الممكن أن يقوم طرف بالاعتداء على حقوق طرف آخر من دون معرفته، وهذا واضح جداً في قضية حقل “كاريش” بين لبنان وإسرائيل.

هل هناك إمكان لأن يتم اكتشاف المزيد من الثروات النفطية والموارد الطبيعية في المنطقة (ج)، وأن تتم سرقتها من دون معرفة الفلسطينيين؟
اعتبر الدكتور التميمي أن “إمكان وجود غاز أو نفط في المناطق (أ، ب، ج) وارد علمياً، وأنا جيولوجي وأعرف من الناحية العلمية أنه لا مانع من توقع العثور على غاز أو نفط، بخاصة على امتداد شواطئ البحر الميت وحتى منطقة الخان الأحمر، الآن لماذا لا تتم الاستفادة والبحث عنها؟ هذا هو السؤال”.

وتابع: “غريب جداً أن لدى السلطة الفلسطينية عدداً هائلاً من المؤسسات وهيئة عامة للتنقيب عن النفط والبترول، لكن ليس هناك مثلاً هيئة تنقيب جيولوجي أو هيئة للتنقيب عن الثروات الطبيعية، لأن لدينا ثروات هائلة في منطقة البحر الميت على رغم عدم وجود سيطرة فلسطينية مباشرة، وفي منطقة الخان الأحمر هناك الكرومايد على سبيل المثال، حتى أن البعثة الألمانية التي جاءت إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر تحدثت عن وجود يورانيوم بكميات وفيرة في منطقة البحر الميت، هنا نتساءل كمختصين: هل هناك أي بنود سرية تمنع القيادة الفلسطينية من إنشاء هيئة جيولوجية، أم أن السلطة الفلسطينية لم تتنبه لها؟”.

أسئلة معلّقة
ورأى التميمي أن “هناك مشكلة حقيقية في حرية الوصول إلى المعلومات،بخاصة بكل ما يتعلق بقضيتي التنقيب والعثور على النفط والغاز من الجانب الفلسطيني، لماذا مثلاً تم إنهاء عقد الشركة البريطانية للتنقيب عن الغاز؟ ما الذي حدث في منتدى شرق المتوسط؟ الآن تتسرب أخبار بأن إسرائيل ومصر ستزودان أوروبا بالغاز، فما هو موقف السلطة الفلسطينية من كل ذلك؟ هل تم ترتيب هذه الإجراءات مع باقي الدول العربية: لبنان، سوريا ومصر؟ وهل ستقوم إسرائيل بتصدير هذا الغاز ودفع جزء من عائداته إلى الشعب الفلسطيني؟ من سيقدم هذه العائدات؟ في تقديري الشخصي هناك صندوق أسود لا يعرف ما في داخله إلا الراسخون في السلطة”.

وختم التميمي بالقول: “الوعي بأهمية وجود ثروات وموارد طبيعية في فلسطين، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، معروف تماماً لدى سياسيينا، وهذه الثروات كبيرة، لكن كيف يتم ترتيب أولويات الفلسطينيين هذه هي المشكلة. كل العالم الآن ينافس على هذه الثروات، عندما ننظر إلى الخريطة ونرى صور الآبار التي تضعها الدول في شرق المتوسط والمنافسة بين الشركات الروسية والبريطانية والأميركية والأوروبية نشعر بأن البحر عبارة عن غابة من أبراج الاستكشاف، ونتساءل: لمَ لا يثير الفلسطينيون هذا الموضوع؟ إنه أمر مثير للاستغراب، ما هي المعلومات المتوافرة لديهم، لماذا لا قانون لحماية هذه الثروات؟ هذا ملف سري لا يتم فتحه أو إشراك خبراء فيه، علماً بأن هذه الثروات من الممكن أن تغنيهم عن كل المساعدات والمنح من الجهات الدولية وتنهي الأزمات المالية والاقتصادية. هذا ملف كبير من المهم فتحه، ومنح الناس حرية حق الوصول إلى المعلومات، لأنها ثرواتهم وحقهم المشروع هو الحصول على عائداتها”.