طعام امي

بسام السلمان
كان طعام أمي مختلفا، اقصد الاكل الذي كانت تجهزه لنا للمدرسة، سواء ما نحمله معنا في حقيبتنا او ما نتناوله في الصباح، طبعا لم يكن وقتها “اللانش بوكس” كانت علبة الطعام عبارة عن كيس اسود، خبأته امي بعد ان افرغت ما فيه من خضراوات اشترتها بسعر رخيص من الحسبة، كان الطعام نصف رغيف من الخبز البلدي محلى بالسكر والسمن او الزيت او حبة خيار وزر بندورة، كان مزيجًا بطعم الذكريات .
وكانت كل صباح عندما تودعنا الى المدرسة او تستقبلنا تقول لنا” متى بشوفكو كبار، دكاترة ومهندسين وضباط وتجار…” وكثير من المهن التي تحب امي ان ترانا بها، طبعا ذكورا واناثا، ولم تكن امي تتوقع والتي كان همها الوحيد ان تطهو لنا طعام الغداء حتى عندما نعود نجده حاضرا او يحتاج الى دقائق قليلة فقط، لم تكن تتوقع أن تصبح وحيدة. وكبرنا يا امي على صوت ادعيتك في سجودك” اللهم احفظ ابناءي وارزقهم سعادة الدنيا والاخرة.
وكبرنا يا امي، كبرنا وصرنا وتزوجنا، كبرنا بسرعة ولكننا طرنا كالعصافير كل واحد فينا ذهب الى عشه وبقيت وحدك، تطبخين وتنتظرين اختي لما ترجع من المدرسة تشمشم رائحة طبخك من امام باب الدار وقبل ان ترمي حقيبة المدرسة تنادي عليك “امي ميتة من الجوع، وانا اركض على المطبخ وافتح طنجرة طبيخك واتذوقه واقول لك الحقيني بسرعة واقع من الجوع، وكنت في كل صباح تحتاري ماذا تطبخين لنا حتى ترضينا، وحيرتك ليس من تعدد ما عندك في الثلاجة، لا بل لان الثلاجة فارغة ولا يوجد فيها الا الماء.
كبرنا يا امي ولكننا لم نعد نطلب منك شيئا، وانت ما زلت تنتظرين ان نطلب اي نوع من الطعام حتى تطبخيه لنا، اكلة تجمعنا معا، حتى عندما كنا نزورك وتطبخين لنا الكباب او خبز بالبصل او اذان الشايب حتى تجمعينا حولك، كنا ننفض من حولك مسرعين غير مدركين المك وحزنك ونظرات عينيك تتسول منا البقاء بقربك ولو ساعة.
ورحلت امي، توفاها الله وقد اوصتني ان لا اضيع وقتي بعيدا عن ابنائي، وقالت استمتع بالعابهم حتى لو دمروا البيت واستمتع بمزحهم ولعبهم ودوشتهم اللي بتضايقك وبتوجع راسك، عيش مع اولادك كل لحظة واتهنى بطفولتهم ولمتهم حواليك لانهم بكبروا بسرعة واسرع مما تتخيل.
مسحت امي دمعتها التي ربما لم افهمها في وقتها وقالت:” بكره ما بتشوفهم الا بالمناسبات وبالزيارات الاسبوعية، اكسب منهم قد ما تقدر، وعيش قريب منهم فالايام صارت اسرع اشي بالدنيا”.
تذكرت وصية امي المتواضعة والجميلة وأنا أجلس بعيدا عن اولادي، وقد اصبحت طبخة زوجتي فقط لاثنين، ولم تعد تنتظر عودتهم من المدرسة او الجامعة فكل واحد اصبح يعيش مع اسرته وفي كل مرة نجتمع معا اتمنى لو تستمر جلستنا اكثر واكثر واكثر، وكم اتمنى تلك اللمة التي كانت تجمعنا حول طبخة امي، امي رحمها الله التي كانت تنتظر زيارتنا بفارغ الصبر.
الرحمة لامهاتنا ولابائنا ومن ما زال والده او والدته على قيد الحياة اطيلوا الجلوس عندهم، ولا تنسوا ان تكسبوا من رؤية اولادكم فان الحياة تسير بسرعة وسيكبرون وكل واحد منهم يعود مسرعا الى عشه.

3 تعليقات

  1. احمد ابو شلاش

    ربي يطول عمرك ويحفظك بعائلتك
    ويرحم والديك برحمته ويغفر اليهم ويرحم جميع موتى المسلمين جميع يارب

  2. الله يرحم والديك ويجعل مئواهم الجنه
    ويعطيك الصحه والعافيه يا ابو احمد

  3. د. معتصم درايسه

    احن الى خبز امي وقهوة امي ولمسة امي.
    رحم الله امك وامي وجميع امهات المسلمين.