الرئيسية / كتاب الموقع / امرأة عادية قراءة ل محمد خالد بديوي

امرأة عادية قراءة ل محمد خالد بديوي

امرأة عادية
رواية للأستاذ بسام السلمان
محمد خالد بديوي
قام الكاتب بتجزئتها إلى 28 صورة أو 28 قطعة شكلت لوحة إبداعية جميلة بألوان مثيرة ومتناسقة.
وفي لفتة رائعة يبدأ جزئها الأول تحت عنوان (موت) وتنتهي بالجزء 28 تحت عنوان (أمل) وما بين الموت والأمل تختلط الاحداث وتمتزج ببراعة مُشكْلة لوحة فنية ثرية. الاجزاء لم تكن تتابعية أو متعاقبة، فقد اعتمد تقديم الماضي البعيد إلى المقدمة أو ما بعد المقدمة، وفي أجزائها الأخرى التي جعل لكل جزء منها عنوانها الخاص ثم اعتمد تقديم الأحداث بصور مختلفة. ويبدو واضحا اعتماده على التقديم والتأخير دون ان يخلط الأحداث بطرق التفافية صعبة ومعقدة..ويسير على هذا النهج بوعي ومراعيا الى النسج والتشابك بشكل متقن لا يتسبب في حدوث إرباك غير متعمد أو متعمد كما يفعل البعض والغاية القبض على القارئ واحتجازه في متاهات لا تقدم للرواية إلا محاولة الخروج منها دون فائدة وحرمانه من متعة القراءة. قد يجبرك الكاتب على التفكير كثيرا وإعادة قراءة بعض الأجزاء لتصل الى ما تنتسب له الرواية. فمن بعض جوانبها ستجدها تاريخية توثيقية، ومن جوانب أخرى رواية سياسية ووطنية حين يستعرض أحداثا ووقائع سياسية في فترة زمنية ما. ثم وفي أجزاء أجزم أنها مؤثرة جدا قد تجد الرواية عاطفية. يفعل الكاتب كل هذا بحرص ويراعي الدقة حين يذكر بعض الأسماء والأماكن. ويقدم كل ما يريد تقديمه برواية الحدث كما هو بمعنى أنه يحافظ على المصداقية وبأسلوب خاص وممتع يدفعك إلى التحري والتأكد من مجموعة الأحداث والوقائع. رواية تقول منذ بدايتها أنها متشابكة وقد تبدو في بعض أجزائها مبعثرة غير مترابطة وفيها ما يجعل القارئ يشعر أنه محتجز في متاهة حين يتعثر ببعض العقد وهو يحاول تفكيك هذا التشابك وهنا ينجح المتلقي الذي يقرأ بتفحص ودقة حتى لا يُحرم من عذوبة القراءة ومتعة الاستكشاف والإمساك بخيط الكاتب الذي جعله مرئيا لكنه يحتاج الى ذراع القراءة الذي سيصل إلى الدرر القابعة في القاع البعيد.
في هذه القراءة المتواضعة أحببت الخوض في جانب معين. الجانب النفسي لشخصيات العمل وكيفية تفاعلها وردود افعالها عند وقوع الاحداث الدامية.

مثل هذه الأعمال الأدبية والتي تحمل في فصولها صور الأيام التي تولد وتموت مع كل شروق أو غياب، هي صور حقيقية يشكلها الواقع المعاش، وأخرى متخيلة تتشكل داخل النفس والتي ترتبط بما حدث فعلا بالواقع،لكن مصدرها الفعلي هو ذلك الخوف والشك والريبة وعدم الوثوق بمقولات تريد غرس الطمأنينة في تلك النفوس التي تصبح مع الوقت عدسات لاقطة لصور حدوثها قد يكون مستحيلا.. لكن وحسب ثقافة المرء وقدراته نرى بعض الأشخاص يسيطر عليهم المخيال بقوة دون ترك ولو فجوة صغيرة يتركها الخيال لخيط أمل محتمل..هنا تبلغ سطوة الخيال مداها وتبدأ عبر هذه الأدوات رسم وقائع عجيبة تتحرك وسط الواقع الذي يمكن وصفه بأنه متغير ولا يمكن ان يكون ثابتا. من يعيشون هذه الاجواء لا يمكن ان يفكروا بطريقة واحدة وخصوصا من يصلون الى ذروة (المخيال) أولئك الذين يقومون بنقل ما في المخيال الى الواقع ولأنهم يعتقدون بحدوث ما يتخيلونه بمعنى أنهم صاروا يؤمنون بأن ما نقلوه من مخيالهم وقع أو سيقع فعلا وقد رأوه يحدث وبإمكانهم سرد أحداث مهولة..قد يرون قتلى في الشوارع..طائرات تغير على احيائهم..دخان يتصاعد..وبيوت مدمرة كليا. في الجانب الآخر هناك من ينقلون الواقع الى المخيال ويحاولون بكل ما يملكون ان يعيشوا هذا الخيال في واقعهم المتردي بسبب ما يحدث فعلا. هؤلاء يفضلون الانزواء والصمت حتى لا تتأثر ما في نفوسهم من وقائع مريحة وإن كان الواقع مريرا ومتذبذب. في الحالين سواء نقل الواقع الى المخيال او نقل المخيال الى الواقع، كأنهم يعيشون بمنطقتين مختلفتين؛ كل هؤلاء يرون ما يرونه أو يعيشونه بتفاوت فمنهم من يصل الى صدمات نفسية او عصبية تؤثران على كل سلوكياتهم..وفي الجانب الآخر ستجد من يبالغ في رسم واقع كما يريده، ومنهم من يعيشون بعضه لعدم قدرتهم على الصمود أمام الواقع الحقيقي الذي يعيشه الجميع . هذا جزء يسير يرصد بعض أحوال الناس أثناء الأزمات وردود أفعال البعض حين تدخل الأزمات في الطرقات الضيقة أو الشوارع الواسعة التي فقدت أضوائها. وللعلم فإن هذا شئ يسير مما يمكن حدوثه ولو أخذنا الرواية من كل جوانبها ستتشعب الأحوال التي تحدثنا عنها ولا أبالغ لو قلت ان الرصد الدقيق وبراعة الالتقاط والتصوير سيشكل جوانب خفية لم يقلها الناص وقد يكون تركها ما بين السطور أو خلف أحداث يجبرك على الاهتمام بالحدث لكنه لا يمنعك من الالتفاف والدخول وراء الأحداث وكل قارئ سيكون له نصيبه من صور الاحداث أو سماعها.
ربما ان قدر لي فإنني سأحاول الدخول في جوانب أخرى والتوسع في ما قد عرضته من الجانب النفسي.
أخيرا هي قراءة متواضعة من قارئ بسيط له رؤية خاصة في قراءة ما يروق له من أعمال..وهذه الرواية قرأتها لكنني سأعود إليها في قراءات مختلفة ومتعددة وسأحاول الدخول في كل زواياها ومن كل جهاتها.

محمد خالد بديوي
30/5/2023