الرئيسية / كتاب الموقع / شهر الخير في عهد الهزيمة

شهر الخير في عهد الهزيمة

د. عبدالله الزعبي.

رمضان الخير، ذاك الكريم، شهر الليلة والقدر والاستجابة، وعد المطلع والسلام والفجر، شاهد بدر والفتح، تنزلت به إقرأ ورتل التنزيل ترتيلاً، جاد الروح به للكون آيات ونفحات وأنغاماً، وتجلت فيه نظرات النصر إلى السماء ورنت. رمضان هلت به أفراح أبن أبي وقاص والقادسية الواناً، جواد سلك فيه صلاح الدين دروب العز صوب الأقصى إذ حرر القيامة، شهر حطم اسطورة هولاكو وأكذوبة بارليف وفيه صعد الشهداء من البلاط إلى عنان الفردوس أحياء عند ربهم يرزقون.
رمضان إن هو سوى نداءً خفياً، وقفة مع الذات، جردة حساب، زجر للنفس اللوامة الأمارة وسِتر لأهل الخير من الوزر والعار. رمضان زكاة وطهارة، ألفة وإحسان وعبق ريحان، أثيل أصيل رصين، العشر فيه من أنفس الذخر، تنزل الأملاكُ فيها بالأنوار والبر. رمضان صون سمع وغض بصر وحسن ظن، صمت منطق لا خواء جوف وقرص جوع، شهر بذر وزرع وحصاد، تردع فيه الشهوة وتروض فيه اللذة، ليله درس ونهاره عبرة، رمضان آية ومحبة وهدية لله.
سلام على رمضان وقتما أقبل، خير الأيام الغر والزمان، يبحر الفؤاد في عباب الشوق إليه، شهر الحزن والفرح والأمان، يأتي اليوم ضيفاً وبلاد العُرب تهجر وتدمر، يسكن الطغيان والظلم فيها ويستقر، يُستباحُ الدمُ العربي في كل شهر حرام، تستباح غزة والقدس وفلسطين إذ ما عاد في الزمان أمان، حلب وصنعاء وقاهرة العز تئن، والعرب تشتت عرباً وعرباناً، بضع أجساد متخمة مترفة وجل الأمعاء خاوية مرهقة تعاقر الموت وتصوم عن الحياة، وصدق الشاعر إذ يشدو قهراً، فعدو الله على النساء والأطفال والمقعدين يفطر، رمضان اصبح اليوم واجم تعس حزين.
رمضان، بأي حال عدت والأمة تعاقر النهم والشبق والنزق على مائدة الضياع، ترنو إلى أربعين تيهاً في سيناء أو شبه سيناء، غسلاً لجنابة الجبن والهزيمة وعبودية الذات، بأي حال تأتي والروح غدت جريحة مكسورة الخاطر تتحسر، بأي حال تشرق والكبد الرقراق حزناً يتفطر، وبلادي أضحى فيها المعروف منكراً يتستر. رمضان، هل تعلم أن مائير أصبح اليوم صديقاً وحليفاً، واللص بات زعيماً، ساد على القوم السراة طغاتها ولغت على الكرام لئامها. رمضان لما تأتي في زمن الذل والهزيمة، قد وأدوا النخوة وكبروا للجريمة، لما تأتي والقوم في سبات نيام، النصر قد أفل وزال، لما تأتي يا رمضان وقد أصبحت طقساً اصماً ومائدة وزينة!