التسحيج

الدكتور ناصر نايف البزور

التسحيج في فصيح اللغة اللغة العربية مُشتقٌ من الجذر الثلاثي (س.ح.ج)؛ و جميع الاشتقاقات الصرفية لهذا الجذر تفيد في مراميها الدلالية معنى الاحتكاك و القشر و التقشير و الخدش و ما إلى ذلك من المعاني المتشابهة… فقولنا سحج الشجرة أي قشَرها أو أزال قشرها… و قد تطوّر معنى السحج و التسحيج في اللهجات المحكية كاللهجة الأردنية ليعني حرفياً “التصفيق” براحتي اليد لما في ذلك من احتكاك بينهما… ثمّ واصلت الكلمة تطوّرها الدلالي فانتقلت من المعنى الجسدي المحسوس إلى المعنى الذهني المحسوس و غير المحسوس في الجانب الفكري في عالم السياسة و الاجتماع… و ذلك لإن مِن معاني و وظائف التسحيج بمعناه الأصلي هو التصفيق عند رؤية أو سماع ما يروق لك أو يسرّك… و مع انتشار هذا الفعل بات بعض المنافقين يسحّجون و يصفّقون عند سماع أو رؤية أي فعل أو قول لشخصٍ صاحب نفوذ أو حظوة… كما يحدث عنما يلقي بشّار الأسد خطاباً؛ فتجد الحضور يسحّجون عند كلّ كلمة يقولها حتّى و لو عطس أو أو *** مع احترامي للفرّاء… فأصبح التسحيج و النفاق مترادفان لغةً و منهجاً سلوكاً… و لكنّ بعض الناس السطحيين أصبحوا يصِفون كلّ ثناء على مسؤول أو مؤسسة من مؤسسات الوطن أو دفاعاً عنها تسحيجاً و نفاقاً؛ و هذه مغالطة كبيرة… 🙁 فالتصفيق للباطل هو تسحيجٌ بمعنى النفاق و المداهنة… أمّا التسحيج في الثناء على الحق و على مكتسبات الأوطان و في سبيل بنائها فهو عبادة و فخر… و شتّان ما بين مَن كان تسحيجه للنفاق عادة و مَن كان تسحيجه في حبّ وطنه عبادة… 🙂 فنحن عندما ندافع عن مقدّرات الوطن و مؤسساته و و ُمكتسباته و رموزه؛ إنّما نفعل ذلك ابتغاء وجه الله و أداءً لواجبنا نحو وطننا و لا نريدُ جزاءً و لا شكوراً؛ أمّا مَن يفعله ابتغاء دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو سيّارة يركبها أو عمارة يسكنها فهجرته إلى ما هاجر إليه و تسحيجه يحتاج إلى تسحيجنا على صفحتي وجهه…. 🙁 و الله أعلم و أحكم