الرئيسية / كتاب الموقع / عندما تبكي الاشجار

عندما تبكي الاشجار

دكتور معاويه علي الياسين- امريكا

جلسَ الشيخُ ابو علي الرمثاوي كعادته على اريكةٍ كانت قد وضعت له امام المنزل حيثُ الحديقةُ التي غرسَ اشجارُها بنفسه , كان يعرفها نبتةً نبتة , عمرها نوعها موطنها الاصلي ومتى اثمرت لاول مرة ومتى كادت شجرة الرمان ان تموت وتتيبس اغصانها لولا لطف الله الذي احياها مرة اخرى , كانت كل اشجار الحديقة كأنها ابنائه يخاف عليها ان هبت الريح وتقتلع احداها , يُكبرُ إن هطل المطر ليسقيها ويغسل اوراقها فتزداد لمعان وفرحا للقادم ,تجلس رفيقة دربه ام علي بجانبه وتصب له فنجان القهوة التي يعشق رائحتها ويتلذذ على طعمها , كانت دلة القهوة احدى الطقوس التي لا يمكن ان يمر يوم دون صناعتها تحميسها وطحنها في المهباش الذي ورثه عن والده عن جدة ، وغليها وسكبها في الدلة يشتم رائحة هيلها عابر الطريق , فلا يبخل الشيخ في دعوة مريديها لاحتساء فنجان منه.
كان كلما امعن النظر في الحديقة يلتفت الى رفيقة العمر اتذكرين متى ومن اين اشترينا شجرة التين تلك؟ , طبعا يا حج هو ذلك اليوم بينتسى , يوم ما زرنا دار ابو عزت الله يذكرهم بالخير , آه من نابلس .. قبل اكثر من عشرين سنة
ينظرُ اليها مبتسماً ..عفية والله ذاكرتك قوية
طيب وشجرات الزيتون؟
ردت ..اشتريناهن من اريحا وإحنا راجعين .. ويومها اعطونا شتلة ميرمية وشتلة زعتر على البيعة،وهاي الليمونة؟
هاي هدية من ابوي يوم زارنا اول مرة في نابلس ، وتنهيدة اخذته الى البعيد الى ذكريات طواها الزمن ، لكنها ما زالت تعيش في كل ركن من زوايا ذاكرته ،والتي ما زال كلما تذكر تلك الايام ذرفت دموعه التي كان يخفيها عن زوجته واولاده كي لا تفضح حزنه على من ذهب من احبائه واصدقائه ورفاق دربه عندما كان جندياً، وكيف دافع مع رفاقه الجنود عن ارض فلسطين وكيف ارتوت تلك الارض من دماء الذين استشهدوا من رفاقه دفاعا عن الحق وذكرى النكبة والنكسة وضياع الارض ، كان كمن يرسل تنهداته تلك الى جموع الشجيرات لتشاركه لوعته وقلة حيلته،كان الشيخ ابو علي قد اطلق على بعض الشجرات اسما ، وكل شجرة تحمل اسما من اسماء رفاقه الذين قضوا واستشهدوا في معركة وادي التفاح قرب مدينة نابلس عام 1967، شجرة الزيتون صالح الشويعر (ابو علي) والذي سمي بابنه البكر كناية عن هذا الاسم ، شجرة الرمان راشد نمر، وشجرة التفاح سليمان الشخانبة، وشجرة الليمون صياح الفقرا.لكي تذكره بهم كلما امعن النظر بها، وذكرى ما تزال تعيش معه ، وليقول ها انتم ما زلت احياء في نظري ولم تمحوا الايام ذكراكم الخالدة.
ينظر الى ام العيال ولمعان عيناه لا تخفيها حقيقة الموقف،مع تنهيدة فطرت قلب رفيقة دربه،
تلك الشجرات اخذن من اعمارنا الكثير وشقينا وتعبنا لحتى اثمرن واكلنا وشربنا من نتاجهن , اخاف عليهن كما اخاف على واحد من الاولاد، وصيتي ان جاء الأجل ان لا تقطعوا اي منها اتركوها تبقى هكذا شامخة تعانق عنان السماء ، دعوها تبقى شاهدة على اعمارنا اين وكيف اصبحنا.
يوم مات الشيخ ، بكت السحب ورمت احمالها على المكان وابتلت اوراق الشجر، وانحنت اغصانها تبكي صاحبها ، زيتون ،تفاح رمان ،توت، عنب ، زهر الليمون كلها غطت ارض البستان ، هل هو المطر ام الاشجار تحكي لوعتها وحزنها على من رعاها وسقاها ومنحها كثيرا من حياته حتى تترعرع وتكبر،
يوم حمل الشيخ الى مثواه انتصبت اغصان الشجر وتمايلت تودع صاحبها وانحت ثانية ، لكنها عادت وبدت اغصانها ترتفع عاليا لتقول كل شجرة لمن سياتي ها انذا باقية اغرس جذوري في هذه الارض وسابقى واقفة ، وان مت لا تحزن يا صاحبي سابقى واقفة

تعليق واحد

  1. خالد الرباطي

    رحمة الله عليه الشيخ ابو علي الرمثاوي، طيب ربنا مثواه وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والابرار.