الرئيسية / كتاب الموقع / الصبر مع نكبة دهر

الصبر مع نكبة دهر

الصبر مع نكبة دهر

تتعرض الإنسانية اليوم برمتها إلى مصيبة المرض والوباء، يقف أمامه العلم عاجزاً عن دواء يخفف الألم وترياق يصد الموت عن عتبة الحياة، وليس هنالك من جدوى سوى العزل والصبر حتى تمضي المحنة وتزول. إن التحضر الأصيل ينعكس في مرآة نفوس دمثة وأرواح سمحة، تحضر يحتاج إلى التعاضد والتماسك قبل عصا القانون. ورحم الله القاضي المروزي حين يشدو:

إذا ما أتاك الدهـر يومـاً بنكبـة فافرغ لها صبراً ووسع لها صدراً

فإن تصاريـف الزمـان عجيبـة فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسراً

يقول المفكر السوري فراس السواح، أستاذ التاريخ في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، أن “الرغيف برزخ العبور من رحلة الهمجية إلى رحاب الحضارة”، بينما مواطنه الأديب حنا مينا يشدد على أن: “القتال أيضاً حضارة حين يكون ضد الذين يريدون هدمها”، فغالباً ما تموت الشعوب بالانتحار لا بالقتل، حسب المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي. إن المشاهد التي غمرت الفضاء في أرجاء البلاد، بشقية الواقعي في الأحياء والشوارع والمتاجر، والإفتراضي عبر الإنترنت، توحي بأن معاني التحضر عند العرب ما زالت تتراوح بين همجية الرعاع ورقي التهذيب، معاني تتمايل بين انفلات الثرثرة وبهاء العقول الراجحة والإخلاق السامية.

ننحني الساعة طائعين لدولة قارعتها الألسن على مدار عقد، وقذفتها الشائعة بأقسى لسعات الهمز واللمز؛ وإذ بها اليوم ترتقي أسمى درجات المسؤولية، تضبط النفس وتحكم الإيقاع، تناشد الشعب وترتجي الصبر والإنضباط. اليوم تسترجع الدولة الهيبة وتحمي الوطن والرعية، وبحرفية تدفع إلى مقدمة الصفوف وجوه سمراء طيبة جاءت من رحم الشدة، ترى في قسماتها رجاء وحسرة، تتلقف من عيونها باقات من عبق الحرص والصدق والشفافية، وجوه تلمس فيها سمات الحسين وعلى جانبيه وصفي وحابس، كأنما ينشدون جميعاً شعر الإمام الشافعي:

جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي

وما شكري لها حمداً ولكن عرفت بها عدوي من صديقي

ليس الكورونا محنة ومصيبة وجوع، إنما فرصة للتفكر في معنى الحياة وقيمة الإنسان، الكورونا نافذة نطل بها على الأيام والأمل، نبذر فينا وبيننا آيات الرحمة ونغرس رايات الصبر والمنعة والفرح.

د. عبدالله الزعبي.