كتاب الموقع
غريق الحرية ( الجزء الأول )

مايا محمد البشابشة
أصبحنا في زمن اخترق سبل الحياة بقسوته و وضع على باب السعادة الشمع الأحمر وسجن الأمل خلف قضبان الغموض ، و آه على هذا الزمن الذي أبكى الرجال من كثرة الظلم ونهب البراءة من قلوب الأطفال و جعل حروفنا من الألف الى الياء تكتب رثائنا ، فأين أنت يا عمر؟ وهيهات أن تعود هيهات ..!
كل يوم تزداد فيه تكرار سماع كلمة الموت وسماع صوت الألم ، فازداد خوفي من الأحداث القادمة أو أن تكون نهايتي بانفجار يشتت أشلائي و لا أحد يستطيع جمعها لدفنها بالتراب ، فاعتقدت أن الأفضل محاولة النجاة و الذهاب الى مكان أكثر أمانا ، و الطريقة الوحيدة المتاحة لي هي الركوب بقارب في البحر ، فأنهيت كل الأوراق المستلزمة للذهاب ، و في الليل استلقيت على الأريكة وبدأت أحدق في السقف و أتخيل حياتي ما بعد الهجرة ، و تضاربت الأفكار في عقلي الى أن سألت نفسي “هل سأعيش ؟” أم تكون نهايتي غريق في البحر ، ولكن الأمل كان يملأ جناني و أردد في ذهني بأن الفرج قريب .
انجلى ضوء النهار و بدأت أستعد ، ودعت منزلي و ذكرياتي و أرضي وذهبت الى البحر لركوب القارب ، و عند وصولي و رؤية القوارب و السترات البرتقالية اللون شعرت بالخوف ، و أظن أن تلك القوارب هي قوارب حظ اما أن تموت أو تعيش .
صعدت على القارب و سار المركب ، و الرعب مرسوم على وجوه الراكبين يعتريهم القلق و كأنها النهاية ، لكني ما زلت على يقين بأن الغد أفضل ، كان الوقت يمر بسرعة على غير عادته و اقتربنا أكثر فأكثر من المكان المطلوب ، فاشتدت الأمواج و أخذتنا يمنة و يسرة ، فجال في خاطري سؤال و هو هل باستطاعة قارب مطاطي على حمل أكثر من أربعين شخص ؟