الرئيسية / كتاب الموقع / محمد خالد بديوي..شيزوفرينيا ــ ( ج 1 )

محمد خالد بديوي..شيزوفرينيا ــ ( ج 1 )

………………
فيما مضى ..
كانت تتلبسني (أفكار) كنت أراها عجيبة وغريبة، متهما نفسي بأنني أفكر بطريقة غير سوية.. ما دفعني الى البوح ببعض ما يغزوني في نومي وصحوي، وغايتي كانت مشاركة من أثق بعقولهم المستنيرة وثقافتهم الواسعة وخبراتهم الناتجة عن تجارب متعددة ومختلفة.

النتائج للأسف لم تحسم الأمر. تناقض الآراء شكل عبئا جديدا على تفكيري ومحاولاتي في فهم نفسي وإدراك ماهية هذه الأفكار وهل هي صادرة عن عقلية صحيحة تفكر بأشياء غريبة؟ لا لأنها مصابة بمس أو جنون، ربما تعاني قصور النضج، وربما ان هذه الأفكار الغريبة تصدر عن عقل آخر لشخصية أخرى تسكنني.؟!
أذكر أنني قدمت لأديب معروف في تلك الفترة بعض النصوص الأدبية ؛ كانت محاولات وأردت أن أعرف رأي (متخصص) بما كتبت. نقاط ضعفي، أخطائي، مكامن قوتي إن وجدت. لكن الواقع صفعني بحقيقة أكثر مرارة من مذاق العلقم.
هل تسمي هذه كتابة .. هل هذه نصوص .. من خدعك وأقنعك بأن هذه النصوص (أدبية) حققت كل شروط جنسها الأدبي المعني.. وكيف اقتنعت أنت أن هذه كتابة من الممكن أن تسمى أدبا .. هذه مجرد خربشات مراهقة وخواطر متلهفة كتبت على عجل. أنت غريب وتفكر بطريقة غريبة.!
هنا وجدت دليلي القاطع ؛ بل إني عثرت على ضالتي وما قاومت طويلا كي لا أعترف به. هناك أشياء غريبة تغزوني على شكل أفكار إيجابية أحاول رسمها حقائق على الواقع، وها هو الواقع يصدها، الواقع لا يمكن ان يكون إلا حقائق ملموسة تدرك بكل الحواس أو ببعضها..وها أنت تثبت من جديد أنك تعاني من أشيائك الغريبة والعجيبة.

كيف صدقت أنك كاتب.. كيف أردت جمع المهتمين هناك او هنا في دائرة واحدة ليشكلوا أسرة واحدة متحابة تلتقي بشكل دوري مثلا وجميعهم لهم ذات الإهتمام .. ووو .. ثم كيف لم تقتنع منذ البداية بآراء العقلاء الذين قالوا لك: لا لا .. ليس عدم وجود المال هو السبب.. السبب الحقيقي هو أن هذه الأمور تحتاج الى ما يعجز المال عن جلبه، حتى الذين قالوا لك أن المال هو أهم خطوة في هكذا مشاريع يتكاثر فيها الناس بشكل مفاجئ، ويتنافسون على صدارة المشهد الذي لا يتسع إلا للقليل، ما لا يزيد عن عدد أصابع الكفين، فكيف يتدافع المئات أو حتى العشرات الى اماكن محدودة، يحتاج أصحابها الى قدرات خاصة ليكونوا هناك.؟!
إذن .. هي الأفكار الغريبة. هو الشخص الآخر الذي دخل ذاتي وسكنني دون علمي، أو أنني ما كنت منتبها حين تسلل الى نفسي. والآن وبعد ان تعرف على دواخلي وما اخفيته متعمدا او كان خفيا على إدراكي فلم أعلم بوجوده.. ها هو يمسك بي جيدا قابضا على تركيزي ليوجهه حيث يشاء وكيفما اراد.
مرور سنوات وأنت على حال ثابت، اومع حدوث تغير طفيف لا يجعلك تشعر أنك صرت الى حال أحسن، لم تتخلص من أفكارك السلبية بعد، وكتابات لم تنضج كثيرا وإن بان اللون الأبيض على جديلتها بشكل خفيف يضيء ولا يلاحظ.
والآخر ما زال قابع فيك يحتل داخلك ويفرض عليك إقامة جبرية في ذاتك أحيانا.. ولكن ألا تلاحظ تعاطفه معك .. ألا يدفعك أحيانا باتجاه دروب ومغامرات لو سلكتها وقطعت مسافتها لكنت بحال أفضل.. ألم يوضح لك غير مرة رؤية ثاقبة جعلتك تصل الى مرادك تماما وبكل حرفة.. هذا الذي يتلبسك ربما هو ما يوحي إليك بما تهذي به الآن .. أنك أنجزت وحققت وتخطيت والحقيقة أنك ما زلت مكانك.. وأنت هل ما زلت مكانك أم تقدمت .. تراجعت .. أم هربت .. ربما .. لا أدري ؛ غير أنني ما زلت أذكر كم كان حريصا على أن أحافظ على عافيتي لأفكر بشكل صحيح. قال لي ذات صفاء: الجسم الصحيح يملك أضعاف فرص الجسم المصاب بالأحلام والثقوب وعفن الذكريات.
وقال لك : الصحة تأتي بالمال اللازم لأحلام أو أفكار غريبة وعجيبة تأتيك في النوم واليقظة، وأنت صدقت. نعم ، وعدت الى عهدك القديم وآراء كانت تتناقض وهي مثل تقييم أفكارك.. وترد على ما فيها لبيان الصواب والخطأ.. ولا تنكر أنك حاولت أن تملك المال لتحقيق ما برأسك وبمساعدته هو ؛ وهو يحثك على بذل الجهد والعرق.. واحتمال كل ما يورثه التعب بصبر وجلد. بذلت الكثير من عمرك وكل شئ ما زال في رأسك، شئ واحد كان يتغير .. هو قناعتك بصحة وحقيقة أشيائك.. وأخيرا فقدت عافيتك. فقدتها قبل أن تحقق ولو جزء يسيرا مما أردت .. وما أرادك. تفقدت جيوبك في تلك اللحظة فوجدتها فارغة تماما، لقد بذلت أغلب ما فيها على نصائح ساكنك ومن يحرر إليك الأوامر لتنفذ دون نقاش.. استسلمت لما أراد .. أو لما أردت .. لا فرق بينكما عند بذل الجهد والمال.. لكن ماذا حققت بعد كل هذا .. وماذا أبقيت لمرحلة ستكون هي الأصعب حين تغزوك قريبا..؟ ثم تفقد عافيتك بعد أن اقتنعت أنها من ضروريات جمع المال الذي صارت قناعتك بوجوب وجوده مثل فريضة لا تسقط بحال من الأحوال.. لماذا بعد أن فقدت كل شئ .. لماذا .. وكل ما كان يغزوك ما زال فيك لا يغادرك؟! حتى ذلك الذي تشعر به ولا تراه .. تطيعه فترافقه الى أماكن لا تجرؤ على الذهاب إليها حين كنت في قمة عافيتك وأحلامك..! هل تستمتع وأنت تستمع لصوت لهاثك .. لأنين التعب .. لضجيج عظامك الهشة .. أم أنك أدمنت زعيق روحك في ظلام كان طفلا رقيقا تحول الى كهل تيبست أخلاقه الى حد خشونة لا تطاق .. سقطت أوراقه الناشفة وأحلامه فاحترق حتى ذروة الجمر والرماد وتوقفت عذاباته عند هذا الحد .. ليكون ظلاما الى الأبد .. وهل … لماذا تبتسم الآن.. هل هو من يجبرك على الابتسام رغم أوجاعك وقهرك .. وأرجوك لا تقل لي أن هذه قوة لا يتقنها الجميع.. أنت لست قويا.. ولا تملك إلا رماد أفكار غريبة وعجيبة وطيف تسلل الى نفسك حين كنت منتبها أو حين لم تكن منتبها .. ما الفرق الآن .. وعقل آخر يحتل عقلك .. ولماذا تضحك الآن .. أرجوك لا تعود الى تلك الواقعة الغريبة فليس فيها ما يبرر أنك حققت جزء من الصواب؛ ثم .. لماذا تقهقه الآن .. دعني أكون معك صادقا في هذه نعم أنا الآن أقهقه معك .. كان قد مر سنوات طويلة على تلك المحاضرة الموجعة والمقرفة والأديب الكبير يوبخك على نصوص كنت تعتقد أنها اكتملت ونضجت كثيرا. وذلك المتخصص يقول لك: كيف اقتنعت .. ومن خدعك فاقنعك بأن هذه الكتابة تسمى أدبا وأنها… أعذرني فأنا أغرق بنوبة ضحك جنونية …وأصبت بالغثيان كعادتي. أكثر من عشرين عاما وتعاود نشر ذات النصوص في صحيفة الكترونية … فيظهر ذات المتخصص ويثني على ما قرأ من نصوص إبداعية، كما أثنى على أسلوبك الذي يشبه الأديب الكبير (….) أي جنون هذا الذي يحدث على شاشة من أحدث ما أبدعته التكنولوجيا والتقدم والمعرفة .. أنت لم تغير حرفا واحدا من تلك النصوص اللعينة فكيف تغيرت الآراء .. كيف تجرأ على قول ما قال وكلماته القديمة تعشش في ذاكرتك وذاكرته وإن نسي.؟! هل تنضج النصوص لو تركتها في مكان دافئ الى سنوات طويلة .. كأن تتحول بفعل الحرارة من بيضة الى صوص ثم الى ديك أو دجاجة.. أم أن ذلك المتخصص كان هو البيضة حين قرأها أول مرة ومر العمر وهو قابع في زاوية دافئة فنضج الى صوص ثم الى ديك فرأى النصوص مكتملة ؟! هل نضج ذلك المتخصص في إعادة النصوص والناس الى الوراء .. ربما خرجت عن طابور الدور وتعديت على الآخرين.. ثم وجدت نفسك أمام طريق مفتوح تماما لكن لا نهاية له .. وعليك أن تتابع سيرك .. بلا عافية .. بلا أشياء ضرورية .. ونصوص ضاع أغلبها في الطريق حين لم تكن ناضجة فوقعت في دفء غرام من عاملها كحسناء ناضجة منذ اللقاء الأول .. عليك إخراج ما بداخلك .. كل الأشياء الغريبة .. وذلك الساكن فيك منذ أمد بعيد .. أخرج ما لا تريد .. ما لا تطيق .. ولا تتذكر تلك الكلمات القديمة حتى لا تصاب بالغثيان من جديد .. ألا تقدر على فعل ذلك.؟! إذن..هل ستحمل التحذيرات محمل الجد..هل ستواجه ما وراء الضباب..هل تستمتع بالتحدي الذي سيحطم آخر ما فيك حتى لو كنت المنتصر..فالذي جذبك جذبته..فهل ستشعر بالراحة حين تفقده؟!!
أترك الجميع فيك .. كل شئ أتركه هناك .. لا تحمل أي قطعة من الذكريات .. ولا قصاصة تحمل معلومة أو تواريخ احترقت غير مرة .. أخرج .. أخرج وحدك .. أخرج منك…و وحدك الآن!!