الرئيسية / كتاب الموقع / من جمال الصرايرة إلى بسام العموش .. التصوف

من جمال الصرايرة إلى بسام العموش .. التصوف

الرمثانت- وجه العين جمال الصرايرة رسالة مفتوحة إلى الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش، مستهجنا ما جاء في تصريحات للأخير خلال احدى المحاضرات اعتبر فيها أن “التصوف” في المساجد الاردنية طريقا للتشيع، وهو ما يناقض رسالة عمان ويدعو إلى إقصاء جزء أصيل من أجزاء المجتمع وهم أهل التصوف أصحاب الوجود المتجذّر منذ مئات السنين في الأردن.

وتاليا نص رسالة الصرايرة إلى العموش:

في الوقت الذي تحتفي به المملكة بإطلاق الدورة العلمية الدولية 42 لشرح مضامين رسالة عمان بمشاركة 60 عالما وواعظا من 13 دولة، وهي الرسالة التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه في عام 2004م، لتكون مرجعاً أممياً يدل على سماحة الإسلام ورحمته، ونبذ الإرهاب والتطرف والتكفير، وجمع شمل الأمة الإسلامية تحت مظلة واحدة هي مظلة الإسلام الواسعة.

فإننا نجد بكل أسف قوى الشدّ العكسي لهذا التوجه والمطالبة بنبذ هذه القيم وضرورة التمترس خلف جدار الأفكار الإقصائية الذي بنته أيدي التطرف على مدار سنوات بأدوات الظلامية وتجهيل الشعوب وإبعاد المسلمين عن هويتهم الحقيقة وثقافتهم الأصيلة المبنية على أن هذا الدين قد جاء بالرفق والسماحة واحتواء الآخرين والمعاملة بالحسنى.

فضيلة الأخ الدكتور بسام العموش مع الاحترام لشخصه الكريم، صرّح في آخر ندواته التي ألقاها بأن “التصوف” في المساجد الاردنية باعتباره طريقا للتشيع، وربما هذا من أخطر التصريحات التي يمكن أن نسمعها في مجتمعنا، وفي هذا المقام لا ندري هل يتحدث الدكتور الكريم في ندوته بصفة شرعية دينية باعتباره مدرساً للعلوم الشرعية وبالتالي فإن مؤسساتنا التعليمية الرسمية تتبنى بالضرورة فكراً إقصائياً يتم تلقينه لأبنائنا وهو ما يناقض رسالة عمان ويدعو إلى إقصاء جزء أصيل من أجزاء المجتمع وهم أهل التصوف أصحاب الوجود المتجذّر منذ مئات السنوات في الأردن، وتعزز وجوده بوجود الهاشميين الذين جاؤوا بقيم السماحة ونشر المحبة بين الناس.

ولا أدري كيف استطاع أن يوفق الدكتور بسام بين المتناقضات في الجمع بين التصوف والتشيع وهي تهمة جاهزة دائماً وأبداً لا نسمعها إلا من الذين يرددون هذه العبارات في كل مكان، وبالتالي يتخذونها ذريعة، وللأسف فإن ما سمعناه من كلام الدكتور العموش لا يختلف كثيراً عن هذا الفكر فاستحضاره لصورة المسجد وربطه بالتشيع كما ورد في كلامه فيه حثٌّ ضمني على الخوف من المساجد، والتحذير من إرسال أبنائنا إليها لأنها أصبحت وكراً من أوكار التشيع في البلاد، وهو أمرٌ مرفوض جملةً وتفصيلاً، بل إن مساجدنا هي الملاذ الآمن لكل أبنائنا وأصبحت أكثر أمناً وسكينة حين تم استعادتها ممن اختطفوها من أصحاب الفكر المتطرف الذين حولوا أبناءنا وخلال سنوات مضت طويلة إلى عقول مقولبة ضمن منظومة حزبية لا ترى سوى نفسها على حق، أو حولتهم إلى أحزمة ناسفة تفجر نفسها بالآمنين باسم الجهاد.

اليوم حان الوقت لتستعيد مساجدنا رونقها بيوتاً لله تعالى وحده يذكر فيه اسم الله بدون أفكار حزبية ولا طائفية ولا تفجيرية، فالصوفية ليست حزباً ولا طائفة، بل هو منهج وسطي للتفكير السليم والفهم الصحيح للإسلام، وتزكية للروح والجسد، ومن يخرج أو أخرج الصوفية عن هذا المضمون فقد ظلم التصوف وظلم نفسه.

ومن المناسب أن نذكر في هذا المقام وبمناسبة الربط “الفنتازي” بين الصوفية والشيعة، بأن أهل التصوف على مدار التاريخ كانوا هم صمام الأمان للأمة الإسلامية على امتداد العصور، وهم من حفظ المقدسات ودافع عنها، وهم أهل الصلاح والجهاد الحق، فهم من أعاد المسجد الأقصى المبارك على يد صلاح الدين الأيوبي “الصوفي” من أيدي الصليبين بعد احتلال دام مئة عام، بل هم من أعادوا مصر من أيدي الفاطميين “الشيعة” إلى أحضان أهل السنة فأصبح الأزهر الشريف منارة أهل السنة والجماعة على امتداد أكثر من ألف عام، ولنتذكر بأن أهل التصوف هم من حمى أهل الإسلام من هجمات المغول والتتار وجعل الله تعالى النصر على أيديهم بقيادة السلطان قطز والعز بن عبد السلام في معركة عين جالوت، بل هم من ثبّت أوتاد الإسلام في الأندلس على يد المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين، وهم من دافع عن العقائد الدينية في وجه الملحدين، فكيف يمكن لإنسان أن ينكر فضل أهل التصوف على الأمة على امتداد القرون والعصور؟!.

وبالمقابل، أدعو الدكتور الفاضل إلى النظر في إنجازات الفكر الذي يحارب ويعادي أهل التصوف وما الذي قدمه للأمة الإسلامية على مدار عشرات السنوات التي انتشر فيها، ولست بحاجة إلى كثير تأمل لترى أن ضرره على الأمة أكبر من نفعه وأنه قدّم الدمار والخراب، وترك جهاد المعتدين المغتصبين لبلادنا، والاتجاه لذبح وتفجير المسلمين في مختلف دول الإسلام، بل وتراجعت أمتنا ثقافياً وحضارياً، وأصبحنا بلا هوية نفتخر ونعتز بها.

إن هذه الدعوات الإقصائية التي أصبحت تتكرر في كل ندوة ومحل وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت خطراً حقيقياً يتردد صداها في حناجر أناس أصبحنا نسمع لهم نفس الكلام الإقصائي متحلقين حول مقام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتكلمون بذات المنطق الغريب عن مجتمعنا، ويدعون الناس إلى قتال أهل التصوف ومحاربتهم لأنهم طريق إلى التشيع، علماً بأن الواجب على أهل العلم ألا يصدر منهم سوى خطاب يحفظ أمن المجتمع، وينبذ الفتن وإقصاء الآخرين وألا يصبح سلعة رائجة عند أصحاب التطرف والتكفير.

وهذه دعوة مفتوحة إلى فهم منهج التصوف الحق البعيد عن كل ما دخل عليه من شوائب، وأن نبتعد عن الكلام الإقصائي الذي يزيد خوف الناس من الإسلام وأهله حتى أصبحت ظاهرة ومرضاً على مستوى العالم يسمى (إسلاموفوبيا)، وأن نحرص جميعاً على أن شعر الناس بالأمان اتجاه كلّ مسلم موحد لله عز وجل، وأن نحذر من الطعن في في عقائد الناس، بل نجتهد في تعليم الناس العقيدة القوية المتينة الصحيحة، وأن نتعاون اليوم مع جميع دول العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى نظهر صورة الإسلام المشرقة التي وضحتها رسالة عمان، وأن نحصّل دعم جميع دول العالم، وتأييدها لنشر الفكر الصحيح وتبديل صورة الإسلام المشوهة التي علقت في أذهان الناس.

والله من وراء القصد..

والحمد لله ربّ العالمين..