الرئيسية / كتاب الموقع / الدكتورة مريم جبر:ما عادت تفرق!!

الدكتورة مريم جبر:ما عادت تفرق!!

الرجل الذي أوقف عمّا قليل سيارته بجانب سيارتي ليسألني إن كنت أحتاج مساعدة، ابتسمت له ممتنة قبل أن يدير عجلات سيارته ويمضي عين له على ضوء الهاتف في كفي، وعلى زاوية فمه ابتسامة راشحة بالمعاني..
حسناً، لا تعجب يا سيدي، ولو تمهلتَ قليلاً ربما كنت سأقول لك إنني للمرة الألف أمخر عباب هذا الضباب العجلونيّ وحدي، وفي كل مرّة أتوقف لأكتب ما يعن لجنوني بهذا الطريق وعليه.. وأنني للمرة الألف أعيد الاستماع للكذبتين معاً: أن نجاة ما زالت للآن صغيرة، وأنني للآن ما زلت أصدّق قولتها: “تِفْرق كتير” رغم أن كل ما حولي يقول إنها أبداً ما عادت تفرق..
لو تمهلتَ قليلاً لربما أنستُ إليك وأضفتك لأولئك العابرين على دمي، شرط أن تتقن الإصغاء ولا تثرثر كثيراً، وحين يتكشّف لك زهقي تظاهر بأنك تصدّق أن هاتفاً جاء من قلِق على تأخري، وأن عليّ أن أواصل طريقي قبل أن يسوء الحال أكثر..
لو تمهلتَ قليلاً لربما علّمتك كيف تقرأ عجلون بضبابها ومطرها وثلجها، ولربما علّمتني كيف ألقي بتمائم جدّتي من هذا المنحدر عن جانبي وأخرج من ضبابه بتعاويذ تقيني رهاب ما يمرّ بي على غير توقع أو انتظار..
ربما إذ ذاك سأشدّ على يد ذلك “البلطجي” الذي داهم منذ أسبوع مكتبي يأمرني مهدّداً بأن أسلّمه أحد طلبتي ليضربه حقدا وثأراً.. سأعتذر منه لأني لم أتمكن من تحقيق رغبته، وسأستعير نظّارته الراقدة بسلام أعلى جبهته لعلي أُدركُني قبل أن تكبر نجاة وتغيّر رأيها وأتعب مرة أخرى في تصديقها..
أسبوع بالتمام والكمال مضى، ولم أستطع أن أخلع من رأسي صور ذلك اليوم وتداعياته بما لا أحتمل..
تباً لي كم أرتبك، وإن كنت لا أنسى، وكم يفوتني دوما أن أقول أو أفعل ما كان ينبغي لي..
لو أنه تمهّل قليلاً لربما استطعت، ألماً أو غضباً أو قهراً، أن أبكي أو أصرخ أو ألعن أو…..
ألم أقل لكم.. والله ما عادت تفرق!!