الرئيسية / منوعات / مضادات وليست ملبس حامض حلو!

مضادات وليست ملبس حامض حلو!

– كتب الدكتور محمد رسول الطراونة أمين عام المجلس الصحي العالي السابق:

ملبس حامض حلو لمن لم يتذوقها هي احد أنواع الحلويات التي لها أجمل ذكريات الطفولة في ستينيات القرن الماضي.. منتعشين بطعمها اللذيذ ورائحتها ذات النكهة المميزة.. يُباع الحامض حلو لدى دكاكين القرى في مرتبانات زجاجية تبهر الناظر وتجلب المشتري وخاصة الأطفال.. كنا نشتريها بالعدد حيث سعر الخمسة منها بخمسة فلوس (تعريفة فقط لا غير)، وكنا إذا قبضنا العيدية نذهب لنشتري الحامض حلو من الدكان القريب منا.. ونشترط على الدكانجي أن يلونها لنا لأن كل لون له طعمه الخاص.. ثم نضعها في جيوب البنطلون لنخرج الواحدة تلو الأخرى متلذذي? بطعمها و طيبة مصها حينما نضعها في الفم دون أن نشعر بنهاية آخر واحدة منها… اختفى الحامض حلو.. واختفت معه أغنية (لا خبر لا جفية لا حامض حلو)… تذكرت الحامض حلو عندما وصلني التقرير الوطني لرصد مقاومة المضادات الحيوية فلقد اصبح حال استخدامنا للمضادات الحيوية كحال استخدامنا لملبس حامض حلو، فمنا من يطلب من طبيبه وصفة تحتوي على كبسولات احمر واصفر واخر يطلب من الصيدلي «كبسولات شكلها مفلطح» وكأننا نسير في طريق أغنية «لا خبر لا جفية لا مضاد حيوي».

يا سامعين الصوت، أتدرون في أردننا الحبيب بعض المضادات الحيوية المستخدمة بوصفها علاجات أساسية لحالات العدوى البكتيرية صارت لا تؤدي وظيفتها الآن كما ينبغي ولا تنجح تمامًا في التصدي لبعض أنواع البكتيريا وعندما لا ينجح أحد المضادات الحيوية في التصدي لبكتيريا معينة، نقول عنها بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية والتي صارت إحدى أكثر المشكلات إلحاحًا على مستوى العالم لا بل واحدة من التهديدات العالمية العشرة للصحة العامة التي تواجه البشرية وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

يا سامعين الصوت، أتدرون ان الاستعمال الخاطئ للمضادات الحيوية يحدث عندما لا نستعملها بطريقة صحيحة؛ أي عندما نتوقف عن العلاج مبكراً، أو عندما نقلل من جرعاتها أو لا نحترم مواعيد تناولها (كأن نأخذ الدواء مرة واحدة في اليوم عوضا عن مرتين أو ثلاث)، في هذه الحالات لا يحصل الجسم على الكمية الكافية من الدواء من أجل مقاومة البكتيريا مما يسمح لها بالحياة والتكاثر وأن تصبح أكثر مقاومة للمضادات الحيوية.

يا سامعين الصوت، أتدرون أن الاستخدام المفرط وغير الملائم للمضادات الحيوية يحدث عندما نستخدمها في حالات مرضية لا تستدعي اللجوء إليها مثل الإصابات الناتجة عن الفيروسات كنزلات البرد أو الأنفلونزا والتي ليس للمضاد الحيوي أي تأثير أو فعالية تجاهها، أتدرون عندما لن يكون للمضادات الحيوية أية فعالية تجاه بعض الأمراض فهذا وفقا لمنظمة الصحة العالمية » أننا سنصبح في عالم يموت فيه شخص كل ثلاث ثوان بسبب عدوى أو مرض أو إصابة تافهة، عالم تصبح فيه الوفيات الناجمة عن البكتيريا المقاومة المضادات الحيوية أكثر من الوفيات النا?جة عن السرطان».

يا سامعين الصوت، أتدرون أننا أمام أكثر المخاطر الصحية إلحاحاً في عصرنا الحديث، خطر يهددنا بالرجوع بنا نحو قرن إلى الوراء عما بلغه العالم من تقدم طبي، أننا أمام «وباء غير مرئي» قد يكون أشد فتكاً على المدى الطويل من فيروس كورونا؛ إذ يُتوقع أن يتسبب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنويا.

نحن أمام تحذيرات منظمة الصحة العالمية من احتمال دخول العالم في «حقبة ما بعد المضادات الحيوية» والمشابهة لفترة ما قبل اكتشافها والتي قد يموت فيها البشر جراء اصابتهم بالتهابات بسيطة كان بالامكان علاجها بسهولة في العقود الماضية، وإنه من الممكن أن يصاب أي شخص بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ما يترتب عليه المكوث في المستشفى لمدة طويلة، وتكاليف علاج باهظة، إضافة إلى احتمالية الوفاة.

يا سامعين الصوت، الأردن ليست استثناء عن بقية بلدان العالم التي اصبحت تعاني من تفاقم مشكلة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية نتيجة سوء الاستعمال لا بل اصبحت مرتعا لها، حيث يستخدم 50 % من الأردنيين المضادات الحيوية اعتمادا على نصائح الأقارب و 49 % يستخدمون المضادات الحيوية التي وصفت لهم في السابق من دون استشارة طبيب و60 % من المراجعين قد طلبوا من الأطباء وصف مضاد حيوي لهم وذلك خلال مراجعتهم لعيادات المركز الصحي.

خلاصة القول، إذا كنا جادين–ويجب أن نكون كذلك- في إبطاء عملية مقاومة المضادات الحيوية علينا تناول المضادات الحيوية فقط عندما يصفها لنا الطبيب وعدم تناول بقايا المضادات الحيوية التي نمتلكها منذ فترة طويلة أو إعطائها لأي شخص آخر وإلا بعد عدة سنوات من الآن لن نستطيع أن نجد مضادا حيويا نعالج به مرضانا.