الرئيسية / اهل الفن / أردنيات يبدعن في تشكيل الزهور الحية بأسلوب معاصر

أردنيات يبدعن في تشكيل الزهور الحية بأسلوب معاصر

الرمثانت – الشغف بفن مميز له ارتباط وثيق بفلسفة خاصة هو ما جذب أردنيات “محبات للفن” لإطلاق العنان لخيالهن ومهاراتهن في تشكيل تنسيقات الزهور الحية بأسلوب الإيكيبانا الياباني بشكل معاصر، على يد هدى فلاحة، مديرة فرع “يوما” الأردني وهو أول مجموعة دراسية لتعليم هذا الفن في الشرق الأوسط منذ عام 2008، التي نهضت في ما بعد، لتصبح فرعا رسميا معتمدا لهذا الفن في المملكة الأردنية، ويضم 25 عضوة.

ويجمع فن “الإيكيبانا” (Ikebana) -الذي يعود إلى قرون من الزمان- بين الزهور والمواد الأخرى في ترتيب يُعبر عن العلاقة بالمساحة المحيطة والعناصر الجمالية مثل الفصول، ويتمتع الشكل الفني، الذي يتراوح في الأساليب من الحديثة إلى التقليدية، بشعبية في اليابان وخارجها.

بداية الحكاية
وحول رحلة الخوض في تفاصيل هذا الفن الجميل، تقول هدى فلاحة -مديرة فرع “يوما” الدراسية في الأردن والشرق الأوسط- للجزيرة نت “بدأت رحلتي مع الإيكيبانا خلال دراستي الجامعية في سبعينيات القرن الماضي في بيروت- لبنان، عندما التحقت بدورة لتنسيق الزهور مع معلمة لبنانية، ودورة لدراسة الإيكيبانا، ودورة لتنسيق الزهور على الطريقة الأوروبية، فأعجبت بالطريقة اليابانية للتنسيق، وكانت هذه هي بداية رحلتي مع فن الإيكيبانا”.

وكلمة الإيكيبانا تعني “الورود الحية”، لذلك لا يتم استعمال الزهور الاصطناعية، بل تستخدم الأزهار والأغصان النضرة أو الجافة فحسب، وفق فلاحة. ويتطلب تنسيق الإيكيبانا استعمال عدد قليل من الزهور، لذلك تمكننا الإيكيبانا من أن نرى ونقدر الخصائص الفردية لكل زهرة وكل غصن.

وتوضح أن تنسيقة الإيكيبانا تتألف من 3 خطوط رئيسية:

الخط الأطول والأقوى يمثل السماء، ويرمز إلى المستقبل.
الخط الأوسط يمثل الإنسان، ويرمز إلى الحاضر.
الخط الأقصر يرمز إلى الأرض، ويعبّر عن الماضي.

“يوما”.. أول مجموعة دراسية في الشرق الأوسط
تقول فلاحة “بدأت بدراسة فن الإيكيبانا لمدرسة السوجتسو (العشب والقمر) بإشراف معلمة يابانية عام 1997 في دبي، وفي قبرص تدرجت في الشهادات إلى أن حصلت على الدبلوم (درجة معلم) سنة 2006، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن أقوم بعقد دورات لتعليم السوجتسو”.

واستطاعت فلاحة عام 2008 أن تحصل من المدرسة الأم في طوكيو باليابان على تصريح بتكوين أول مجموعة دراسية للسوجتسو، ليس في الأردن فحسب، ولكن في الشرق الأوسط؛ وهي مجموعة “يوما” الدراسية.

وتتابع فلاحة أنه بعد حصول 10 سيدات في المجموعة على درجة الدبلوم (معلم)، حصلت على تفويض بتأسيس أول فرع لمدرسة السوجتسو في الأردن ومنطقة الشرق الأوسط.

تقول فلاحة “يحتوي منهاج مدرسة السوجتسو على 5 كتب، كل كتاب يحتوي على 20 تنسيقة. وعند اكتمال دراسة الـ5 كتب، بإشراف مدرس معتمد من المدرسة، يتم حصول المتدرب على الدبلوم”.

وتتشير إلى أن عدد عضوات الفرع حاليا 25 عضوة، وأن المدرسة الأم في اليابان تقوم -بصفة دورية- بإرسال معلمة لديها شهادات عليا لعقد ورشات عمل للعضوات وعرض لتنسيق الزهور، لنشر هذا العلم للعامة.

وتبين فلاحة أنه منذ تأسيس المجموعة، ومن ثم الفرع، “قمت بزيارة اليابان 5 مرات، للاطلاع على المستجدات المضافة لمنهاج المدرسة، وبالتالي إفادة العضوات”.

الإيكيبانا طريقة لمعرفة الذات
في تنسيقة الإيكيبانا، يستطيع المنسق استعمال أي مواد، بالإضافة للزهور، والأغصان والجذور النضرة والجافة، الفواكه والخضار، إلى جانب أي شيء يختاره كالأوراق والمعادن والحجارة والرمل، فكل شيء مسموح به، وفق المدربة.

وتضيف أنه في المراحل المتقدمة من الرحلة التعليمية يطلب من المتدرب دراسة فنون أخرى كالرسم، والنحت، والخزف، والنجارة.

وتلفت إلى أن فن الإيكيبانا يعد فنا ذا صلة بالفن التشكيلي، لأنه قائم على تشكيل الأزهار ومواد أخرى، ضمن جماليات الفن التشكيلي وقواعده، من حيث التنوع في الخطوط والألوان والأشكال والتكوينات المبتكرة، لكنه فن آني غير دائم، لأنه يعتمد على الأزهار الطبيعية ومدته تمتد لأيام قليلة فقط. ويقوم الفرع بتنظيم معارض بصفة دورية، فتقول فلاحة “منذ 10 سنوات، ننظم معرضا سنويا في المتحف الوطني للفنون الجميلة”.

وتختم حديثها بأن الإيكيبانا طريقة لمعرفة الذات، “ويمكننا تشبيهها بالسفينة التي تعبر بالإنسان في رحلة لاكتشاف النفس والغوص في أعماقها”.

الإيكيبانا أضاف لي وأضفت له
وحول تجربة التدريب في فرع مجموعة “يوما” الدراسية، تقول المهندسة المعمارية هناء سعد الدين، “بوصفي معمارية، أشعر بأن كل شيء في الحياة يحتاج لبناء: البيت، المدرسة، الشخصية، العلاقات بين الأهل والأبناء، والعلاقة بين الناس في المجتمع، وعلاقتنا مع الطبيعة ومحبتها واحترامها، وشعرت بأن مدرسة السوجتسو (العشب والقمر) -إحدى مدارس الإيكيبانا المهمة- تعبر عن البناء في تنسيقاتها، وتتناغم مع شخصيتي المعمارية وتتكامل معها، وشعرت أن الإضافة متبادلة بين هذا الفن وبيني.. هو أضاف لي وأنا بدوري أضفت له”.

وترى هناء سعد الدين أن هذا الفن يتميز بأنه آت من حضارة مختلفة عن حضاراتنا، فهو يعطينا فكرة عن بلد آخر ومجتمع آخر وثقافة أخرى، وهو فن جميل له فلسفة خاصة به، ويعبر عن عادات وتقاليد راسخة في القدم ومدرستنا تستعمل الأزهار أحيانا مع فن التشكيل وإعادة التدوير بطريقة بديعة متوازنة مضيفة لنا مهارات مميزة عن الأزهار والطبيعة واستخدامها بطرق غير تقليدية أحيانا.

وتوضح المهندسة المعمارية “من الناحية النفسية، لهذا الفن تأثير رائع، لأنه يتعامل مع الألوان والتشكيل، ويتطلب التركيز لإخراج التنسيقة أو التشكيل بطريقة تتناسب مع فلسفة المدرسة، لذلك أعتبره طريقة ممتعة للتأمل والنظر إلى الحياة (بالرغم من تحدياتها) بطريقة أجمل”.

فن الإيكيبانا يساعد على إيجابية العيش
وتتحدث الفنانة التشكيلية آمال بشير جلوقة حول تجربتها التدريبية في فرع “يوما” الدراسي، للجزيرة نت، “أنا فنانة تشكيلية كنت مقيمة في أبو ظبي، وعضوة نشيطة بمجموعة الأزهار والحديقة، وعندما عدت للإقامة ببلدي الأردن، انضممت للإيكيبانا مجموعة السوجتسو منذ 18 عاما تقريبا، وهي إحدى هواياتي التي أمارسها بجانب الرسم والنحت والقراءة، فجميعها تصب في بوتقة واحدة، هي الحياة، وتساعد بشكل كبير على إيجابية العيش وإراحة النفس من الأعباء الحياتية، وكونها تتكون من مجموعة صديقات يمارسن هذا الفن بجو من الراحة والمحبة، تضفي جانبا آخر، وهو الاجتماعي التواصلي مع الآخر”.

وتتابع “أحببت هذه المدرسة وانسجمت مع اتجاهها وتوجهها وتفاعلها مع الفنون الحديثة المفاهمية التجريدية، التي تعبر عن الأفكار وتدخل بفلسفة الحياة، وتجاري الحداثة بتوجهها”.

وتختم بقولها “أنا شخصيا، أجد نفسي في هذه المدرسة، ففيها من الحرية ما يتناسب مع فني وأسلوبي. وفي البداية كنت ألتزم بالقوانين للتنسيق، وعندما درست واكتسبت خبرة اتجهت أعمالي خصوصا بالمعارض إلى الأعمال التركيبية، وهي مواد مختلفة أجمعها معا لإنتاج عمل يعبر عن فكرة المعرض وعنوانه، خصوصا أن مديرة الفرع الزميلة هدى فلاحة لديها ثقافة واسعة بالفنون، وتقدم الدعم والحرية الكاملة لكل المشاركات”.

إيكيبانا.. ترتيب الزهور اليابانية
وتحت عنوان ترتيب الزهور اليابانية الإيكيبانا، نشر موقع “نيبون” (nippon) الياباني تقريرا عن كيفية تحقيق التوازن المثالي لهذا الفن. ويوضح أن تنسيق الزهور الياباني، المعروف باسم إيكيبانا أو كادو “طريقة تنسيق الزهرة”، تطور إلى شكل فني مميز في أواخر القرن 15، واليوم هناك مجموعة من الأساليب والاختلافات، الحديثة والتقليدية، بوضع الزهور والسيقان والمواد النباتية الأخرى لتشكيل التنسيقة والمساحة المحيطة.

وهي هواية شهيرة، ويمكن العثور عليها في أعمال تزيين الأماكن الرسمية مثل قاعات الولائم، ومجالس إدارة الشركات، فضلا عن الأماكن العامة مثل المتاجر والمكاتب الكبيرة.

ويؤكد فن الإيكيبانا الانسجام بين العناصر المختلفة، التي قد تشمل أيضا، إلى جانب النباتات والزهور الموسمية، الفروع المجففة، والأحجار، وحتى الطحالب، المرتبة بدقة في وعاء من السيراميك أو الزجاج أو الخشب أو الخيزران أو المعدن.

ويعبر هذا الفن التقليدي عن الجمال عبر التفاصيل الدقيقة، مع اختزال المكونات إلى أشكالها الأساسية.

يؤكد فن الإيكيبانا على الآداب والأخلاق، مع الهدف الأساسي الذي يتمثل في احترام حياة الزهور وتعزيز روحانية الشخص الذي يرتبها، ويتطلب إتقان الأسلوب تدريبا وممارسة كبيرين، ويقضي معظم الناس سنوات في التعلم ليصبحوا معلمين مهرة.

الأنماط المهيمنة
المدارس السائدة في إيكيبانا هي “إيكنوبو” (Ikenobō)، و”سوجتسو” (Sōgetsu)، و”أوهارا” (Ohara)، وبالمقارنة مع فن إيكيبانا البالغ من العمر 550 عامًا، فإن المدرستين بالتأكيد إبداعات حديثة، حيث نشأتا منذ نحو قرن.

تأسست مدرسة سوجتسو عام 1927 على يد تيشجاهارا سوفو، وتتميز باحترام التعبير الفردي أكثر من الالتزام بالأساليب المعمول بها. وتأسست مدرية أوهارا أواخر القرن 19 على يد أوهارا أونشين، وتتميز بأسلوب “موريبانا” أي الأزهار المكدسة في أوعية عريضة ومسطحة.