أبي معي

بسام السلمان

قالت بعد ان مسحت دموعها: ” أبي مات، وأنا غير قادرة على أن اعترف بموته “.

وقالت: “لم تكن لحظة سماع وقع صوت يقول لي عظم الله اجركم ابوك مات هي الأصعب، لا ولم تكن لحظة رؤيتي لأخوتي يغرقهم الدمع متأهبين لأخذ جثمانه ابدا ولم تكن ايضا حين عودتهم يجترون أقدامهم التي ملأها التراب وعيونهم التي ملأها الفقد بعد دفنه ولا حتى عند سماعي الناس يعزونني بوالدي بحبيبي ولا حتى عند زياراتي الأولى لقبره رغم كل القهر والدمع والوحشة أصعب ما في موت أبي، تلك اللحظة التي منطقيا إعترفت فيها بأنه مات كانت بعد عدة اشهر من إعلانهم وفاته ثقيلة كانت تحمل آها تسكن الأضلع فتبتر الروح ببطيء شديد شديد”.

صمتت، اخرجت من حقيبتها منديلا ورقيا ومسحت دموع عينيها التي لم تستطع ان تسيطر عليها، وقالت: “أفتقدك يا حبيبي ومعلمي وقدوتي ونبضي، رحمك الله يا أبي”.

نظرت الى السماء التي تغطي جزءا منها حديقة المدينة، تجولت في نظرها بين غيوم كانت عالية جدا، غيوم صيفية وقالت: ” فقدان الأب ليس سهلاً، أنا أشتاق اليه وأتمنى أن أراه وأضمه لمرة واحدة فقط، أسأل الله أن يغفر لي ولأبي ويرحمه ويعفو عنه ويوسع مدخله، يا رب اجعل قبر أبي روضة من رياض الجنة، واجعل مثواه الجنة، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، واجمعنا به جميعاً في جناتك جنات الفردوس الأعلى”.

ابتسمت ابتسامة مليئة بالحزن، مسحت دمعة هبطت من عينيها، توقفت عن الحركة ثم قالت: ” كيف تكون الأشياء والأمور حين يكون معنا ابي؟ كيف يصنعُ وجودُهُ الفارقَ الأهمَّ في حياتنا؟. إنه أبي الحامي، الطيب، والمحب، أبي الذي يستطيع أن يجعل كل شيءٍ ممكنًا، أبي الذي عاش من أجل أن يحبني من دون أسباب وبلا شروط وإلى الأبد.

شعرت بها قد ارتاحت نفسيها بعد ان تحدثت عن ابيها وقالت: ” رأيت ابي في المنام مبتسما، قال لي سعادتك يا ابنتي تسعدني وفرحك يفرحني، لا تبك يا حبيبتي، لا تبكي ابدا.

أنا يا أبي مذ أن فقدتك لم أزل

أحيا على مرّ الزمان.. بمأتمِ

أنا لم أزل أشكو إليك.. ولم تزل

ذكراك قنديل الطريق المعتمِ

وكأنك الصدق الوحيد بعالمي

والكل يا أبتاه .. محض توهُّمِ

وكأنني ما زلتُ أحيا يا أبي

في حضنك الحاني.. ألوذ وأرتمي

وكأن كفَّكَ لا تزال تمدها نحوي

.. وتمسك في حنانٍ معصمي

لا لم تمت عندي.. ولكن ما ارتوى

ظمأي إليك.. وما شفاني بلسمي

لا لم تمت عندي.. ولكنّ الأسى

والحزن يا أبتاه.. أبلى أَعظُمي

وأنا متى يأتي المساء أكاد من

شوقي إليك أضم بعض الأنجمِ

أظل ألثمُ كلَّ شيءٍ لامست

كفّاك في بيتٍ كئيبٍ مظلمِ

من ذا يخفف ما ألمَّ بخافقي

من ذا يحدُّ من الشعور المؤلمِ؟

من كانَ يعلمني العزاء فقدتُه

من ذا يعزّيني بفقدِ معلِّمي؟

الشعر لمحمد حسن علوان

تعليق واحد

  1. الشاعر ماجد السقار

    رحم الله والدينا وكل أباء المسلمين
    شكرا اخي ابا احمد لقد ترحمنا على آبائنا لك الأجر ان شاء الله