الرئيسية / كتاب الموقع / البحث في زوايا الذكريات

البحث في زوايا الذكريات

البحث في زوايا الذكريات

الدكتور معاوية الياسين

منِ المؤكدِ أنهُ مهما طال الوقت أو تباعدت السنون فإن هناك من الأحداثِ ما يترك ذكريات تظل عالقة في النفس منطبعة بين صفحات العقل بأدق تفاصيلها، لا تصل إليها يد النسيان فتعبث بها أو تؤثر عليها أعاصيرُ الجديد من الأحداثِ فتقتلعها من الذاكرة، فكثيراً ما توقفت أصابعي وأنا أقلب صفحات تلك السنون لتنطلق في أرجاء قلبي وعقلي موجات من الذكريات الجميلة، فأتخيل نفسي وقد عاد بي الزمن إلي الوراء سنوات طويلة، إلي ذلك التاريخ الذي لا أعتقد أنني يمكن أن أنساه يوم ان قررت الرحيل الى عالم جديد اجد فيه نفسي العاشقة لكل ما هو يشبغ غريزة التحدي اللامحدود ، تاركا خلفي ارثا من الذكريات احتوته الاماكن والطرقات واناس عايشت تفاصيل حياتهم راغبا او مكرها، الاهل الاصدقاء الجيران حتى عابري الطرقات الضيقة حين تلمح على وجوههم رائحة الغربة المقيته ، فتصنع فيً تلك اللحظة وهما وبأن تلك الوجوه العابرة ليست سوى سحابة عبرت من هنا تاركة اسئلة كثيرة من الصعوبة الاجوبة عنها .

ها انا اعبر تلك الطرقات بذكريات حسبت بانني قد تركتها خلفي هناك لكنها ما فتئت تناديني وتوقض فيً حنين الأيام وادركت بان ايامنا الماضية ليست إلاّ ذكرى في ذهن ايامنا الحاضرة، وايامنا الحاضرة ما هي إلاّ أمل عند تلك الماضية، فقررت ان ارحل نحو تلك الذكريات محملا بحنين الاغتراب.

في إجازة استراحة محارب تعود إلى بلدتك وإلى مكانك وإلى وعاء الطفولة المهجور وفي ذكريات وأحلام وأيام نصعت في يوم وتوهجت وتجرحت وتألمت واستعصت على البوح في فضاء الكون، وعلاقات تلاشت وأخرى نمت وترعرعت، وامسيت تغالب الايام بصبر وصمت ولكن أضواء الحلم القديم لم تخفت ولم يطفئها ضجيج الايام. فعندما تحط رحالك في بلدك بعد اغتراب طويل محملا بذكريات تعيدك إلى الزمان والمكان ، وتقرأ خلالهما كل التفاصيل وتتهجى حروف الأسماء التي رحل أصحابها وبقيت صورهم خالدة خلود الكون، تعود إلى ساحة الوقت الذي مضى وتقرأ وجوه المارون عند باب الانتظار فلا تجد إلا الوجوه بسحنة أشبه بالغربة ، وتعود وانت تغالب التعب وتنظر إلى الشمس وقد غابت وذهبت مع الذين ذهبوا والذين ما زلنا نتذكر وجوههم ولا نسمع أصواتهم ، تعود بمشاعر لا يوقف نزيفها ولا يكتم صوتها دوران المجتمع حول نفسه، تعود وقلبك مخزن لتفاصيل وحروف وصور ووجوه وأشياء لا يمكن تفسيرها لمجرد الكتابة عنها، تريد أن تختزل العمر وترجع الزمن لتحدق في الذين أحببتهم لكنهم رحلوا وصار المكان شبه خواء .وكجسد بلا روح ،تعود بلا فسحة امل بتغير الحال.

في زوايا الذكريات ما زلت ابحث عن أيام مضت ودروب اختفت ووجوه انطفأت وقلوب اكتوت بنار الفراق ، وأيام تمر كأنها الدخان الأبيض لا يسفر إلا عن بياض أشبه بالرماد. في زوايا الذكريات اليوم تتفاقم الأسئلة وتقتحم اجسادنا وكاننا في طريق ملئ بأشواك مسننة كالإبر تخز النفس وتفري الروح وتثقلُ القلب بمزيد منِ الألم.

2 تعليقات

  1. د. معتصم درايسه

    الغربة صعبة دكتور أبو مراد والإنسان في هذا السن يصبح مرهف الإحساس تغمره العاطفة ويحن الى ذكرياته الجميل في الزمن الجميل الذي ذهب الى غير رجعة.
    حاول ان تتكيف مع الظروف الجديدة وتستمتع بالحياة باكبر قدر ممكن، متمنيا لك الصحة والعافية والسعادة وطول العمر.

  2. بسام السلمان

    ذكرياتك لا تفارقك ابدا وان انت حاولت ان تتجاهلها او غيرك او غيرنا حاول منعها فإنها تحضر فهي عالقة في الذهن وهي مثل الاسماء لا تتركنا ابدا