الرئيسية / كتاب الموقع / شجرة التين وعودة للمكان الأول

شجرة التين وعودة للمكان الأول

 

بسام السلمان

من منا لا يتذكر تلك الشجرة التي كانت تربض في جنوب الرمثا، في اول الرمثا، فقبل ان يدخل الزائر للمدينة والى حارتها القبلية كان يجد ترحيبا برائحة التين، ولمن لا يعرفها، كانت الشجرة مزروعة في حفرة صخرية تطل منها الى الحياة، وكان مقابل لها صِنع، او جرن من الماء محفور في الصخر، كانت تتجمع فيه مياه الامطار ويشرب منه المارة، كانت شجرة التين اول الرمثا، قرب مركز صحي الرمثا الشامل، ورغم ان الانسان حولها الى بنايات شاهقة الا انها لم تفارق ذاكرتي ابدا كلما مررت من هناك وتعيدني للمكان الاول.

كنا ونحن صغار في صفوفنا الابتدائية”اساسي ” كنا نذهب زرافات الى الجسر، والجسر مكان كان يقع قرب بوابة جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية قبل ان تستولي الحكومة على تلك الاراضي التي كان اهلنا يزرعونها بالقمح والعدس، اراضي اليهودية ومدن وعبطان وغيرها من الاراضي التي تحولت الى مزرعة يحميها شيك عال ويمنع اصحاب الارض الاصليين من الدخول اليها.

كنا نفرح جدا عندما نصل الى مكان شجرة التين لاننا نكون في رحلة الذهاب قد قطعنا ربع المسافة اما في رحلة العودة الى بيوتنا مع الغروب فإن رؤية شجرة التين يعني الامان والوصول الى “بيت دافي ” لا قتل فيه ولا حقد ولا كره ولاظلم.

كانت شجرة التين حدود الرمثا القبلية، حدها من الجنوب، وكان اقرب بيت للمساكن يبعد عنها الف متر او يزيد قليلا وربما ينقص قليل، لكنها كانت اول الرمثا الذي يستقبلنا فاتح ذراعية واخر الرمثا مودعا لمن يهاجرها الى المدينة في رحلة تستمر ليوم واحد، ومن يعود اليها يعود بحنين وتطمئن نفسه ويرتاح باله وكأنه مطارد من جيوش غازية تطارده لقتله.

حكايات التينة كثيرة، وربما هناك الكثير منها لا اعلمه ولم اسمعه، ربما ان الكثير من العشاق كتبوا رسائلهم بالقرب منها خوفا من ان تقع احدى تلك الرسائل في يد واش او عذول فتقوم على رأسه قيامة القرية بكل من فيها، العشق هناك لا اما له ولا اب، انه لقيط، ذكريات شجرة التين هي العودة الى الماضي ونوعاً من أنواع جلب الغيّاب، ليس غياب المكان نفسه بل غيابنا نحن عن المكان. فعودة الذكريات تطرح أسئلة المكان، وكأن المكان مفتوح على غياب هائل لأصحاب الأرض. لذلك يبقى ذكر شجرة التين عرضاً للأسئلة الصعبة التي تمكّننا من قراءة واقعنا القديم والجديد، وتسرد التغير الذي اصاب المدينة واهلها، وأهمها كيف حدث كل هذا التغيير؟ نحتاج الى العودة للأرض والبحث عن الذين تغيروا ولماذا تغيروا.

إن استعادة الذاكرة والإضاءة عليها ما هو الا محاولة لجمع شظايا الماضي والذي قد يكون له دور في تغير ابناء الحاضر والمستقبل، يمكن من خلاله تأكيد اخلاق ابناء الرمثا وطيبتهم وحبهم للخير، هي محاولة استعادت الرمثا والتي كان يطلق عليها سابقا ام اليتامى.