الأمشجية

 

بسام السلمان

كانت أقدامهم حافية، وزيهم أبيض يغطى الركبة فقط، وطربوشهم عثمانى يغطى رؤوسهم، امتهنوا مهنة تبدلت هذه الايام واصبح لها اسم اخر. انهم الأمشجية.

والأمشجي هو الشخص الذى يمهد الطريق لعربة من عربات كبار رجال الدولة، وكان يردد عبارة مشهورة حتى الآن وهى “وسع يا جدع”، أو “يا ناس يا عسل.. الباشا وصل”، وغيرها من العبارات التى توضح للعامة أهمية ومكان هذا الشخص من خلال الجرى أمام العربات التى تجرها الخيول، وتشبه هذه الوظيفة وظيفة البودى جارد الآن.

وأمشجى مصطلح عرفه المصريون أيام الحكم العثماني على مصر، وهي مشتقة من مصطلح أمشه أو قمشة بمعنى السوط الجلد، ولكن تم تحريفها باللغة التركية وإدخال الـ”جي” إليها نسبة لصاحب المهنة، لتصبح أمشجي، بمعنى حامل السوط. وتعتبر وظيفتهم أن ترتفع أصواتهم بجملة «وسّع يا جدع» ليمهدوا الطريق لعربة من عربات علية القوم وكبار رجال الدولة وهم يسارعون الخطى حفاة الأقدام أمام العربات التى تجرها الخيول ومنع عامة الناس من تعطيل موكب “الكبير”

ولو حاولنا ان نجري مقارنة بين سحيجة هذه الايام وبين تلك المهنة (المنقرضة حالياً ) التي ظهرت عام 1850 فى وقت كان يحاول فيه الجميع التقرب من السلطة والحصول على عمل يحقق لهم دخلا أعلى حتى لو كان أقل احتراما، لوجدنا تشابها كبيرا، فالاخير ابن هذه الايام على استعداد ان يقاتل ويخاصم ويعادي حتى اقرب الناس اليه من اجل حماية مصلحته مع صاحب الدولة او المعالي او السعادة او العطوفة، وهو على استعداد ان يطلق صرخته وسع يا جدع لاخيه وصديقه وجاره من اجل ان يمر الباشا اللي وصل.

كانت الأمشجية مهنة معترف بها مع ظهور الحنطور في شوارع مصر، وكانت الدولة تحفظ بها مقامات كبار رجال الدولة بتوفير الأمشجية لهم، في مقابل مادي، وكان يمنع عليهم ارتداء الأحذية، والسير حافيين الأقدام في الشوارع، ولكن هيئته تنم عن سلطة ومقام صاحبه، من قوة بدنه أو ثيابه المهندمة، أو السوط والعصا الذي أمسكو به أثناء ركضهم في الشارع، ويحتاج السحيج او الأمشجي هذه الايام الى ان يزوده سيده بسوط سواء كان سوطا ماديا او معنويا لكي يحارب فيه كل من يغلق الطريق امام سيده.

وعلى الرغم من أنها مهنة قد انقرضت، ولكنها ظهرت في أيامنا وزماننا هذا باسماء جديدة ومتعددة «البودي جارد» سواء كان صاحب عضلات او صاحب امور اخرى وهي نفس العمل ولكن مع اختلاف الزي والعصر وطريقة أداء المهنة.

اللهم ابعد عنا أمشجية هذه الايام.

 

 

تعليق واحد

  1. ابدعت استاذ بسام من يومك تحب الادب وانت صاحب اخلاق لن افصح عن اسمي لاني فقط اريد ان اقول لك: أحترمك.