اه يا امي

سليم ابو نقطة
اه يا امي لا اعلم عماذا اكتب في عيدك! هل اكتب عن الطيبة؟ .. عن النقاء حين تكون السماء في منتهى الزرقة. عن رائحة الخبز المعطرة بعرقك . عن الشمس التي توقظينها باكرا وانت تلملمين حطب الفرن وتزدريها بالكسل عن دجاجات ربيتها بعناية كانت تأكل قمحنا , وتبيض عند الجيران , كان هذا قبل أن يحدث ثورة في عالم الدجاج فينقسم الى لاحم وبياض. وقبل ان اعود الى بيتي بكرتونة البيض يوم الراتب .
هل اكتب عن صناديق من الحجر والطين كنا نعيش فيها وكانت تسمى عنوتا بيتا حين لم يكن مهندسو العمار قد تخرجوا بعد. عشنا فيها قبل الكهرباء ، وقبل أن تستورد الحكومة ” حنفيات ” وتهددنا بفصل الماء عنا
اه يا امي حزني لا اقدر على لملمته. كل ما في الأمر أنني غدوت وحيداً بلا اب… وحيدا بلا ام…. وحيدا بلا اخ. سنوات مزرية وشريرة قضيتها واحتسبت من عمري. كل هذا تلقيته بعبارات المواساه التي تتكرر في كل مأتم: “البقية في حياتك “ولا أعلم عن أي بقية يقصدون؟!
كانت سنتين قاسيتين على أيّ حال . قد اكون كبرت على اليتم لكن هناك فراغ فضيع في حياتي تركته امي ولا اعلم كيف املأه هناك قهر وسواد وقناعة تامة بالعجز عن القيام بشيء مفيد اصنعه، فالكتابة التي كنت اهرب إليها باتت عبئا، والحياة العامة التي وجب علي ان انخرط بها باتت نفاقا متعارف عليه. اصبحت مرهونا لهذه الحالة ، وقد يدوم التدهور حتى نهاية العمر ما الذي أفعله في هذه الاثناء؟! لا أعلم.
تُرى من اعاتب؟! ربما عليَّ ان اعاتب ابي وامي واخوتي الذين ماتوا باكرا تمشيا مع الضجر.

ثمة شعور أشبه بالقشعريرة – ليس تماما . ثمة ارتباك – ليس تماما . ثمة ترقب – ليس تماما . ثمة خوف – ليس تماما : انا لا اجيد الكلمة المناسبة , لذلك سأكتفي بالقول لم يعد للحياة معنى. هي خسارات تلقيتها ومن العيب عليَّ ان احابي دمعة خائنة ظللت امسكها طوال عمري. أو أن استسلم للوهن.
اعود لك يا امي وبلغة العاجز المثكول اقول لك ولأبي واخوتي وانتم تنعمون بفضل من الله ورضوانه كل عام وانتم بالف خير