الرئيسية / كتاب الموقع / اطفال رمضان

اطفال رمضان

 

بسام السلمان

«ليش تسحّرتوا ما دمتم ستفطرون، هااا.. الليلة لن نوقظكم على السحور»!.
بهذه الكلمات يعنف بعض الكبار الاطفال الذين لم يستطيعوا اكمال يومهم وهم صائمون، في الوقت نفسه تجد ان الكبار الطيبون يخبرونهم بأن الصيام غير مكتوب عليهم، وأن الله الرحمن الرحيم لا يحمّلهم فوق طاقتهم، وعندما يصر الصغار على الصيام خجلاً وخشية الظهور بمظهر الضعف، يُسعفهم الكبار بفتوى الصيام حتى االظهر، ولكنه يوازي في أجره وحسناته صيام الكبار حتى المغرب، حينئذ يفطر الصغار وهم سعداء مع الاحتفاظ الكامل بكبريائهم الذي لسعته رائحة الطعام الشهي.

ولقد عرفنا في طفولتنا عادات ومظاهر رمضانية كثيرة، منها الجميل ومنها القبيح، ومن المظاهر الجميلة أن بعض الصغار يصرّون على الصيام، فهو يمنحهم شعوراً بأنهم كبروا، وصار يحق لهم ما يحق للكبار، وبأنهم يصبرون على الجوع والعطش، ويستحقون الاحترام والتبجيل الذي يغدقه الكبار عادة على الصغار الصائمين، فتدغدغ مشاعرهم كلمات الإطراء عند ذكر أسمائهم ضمن مجموعة الأبطال الصائمين، وصيامهم يسجل في سجلهم عندما يكبرون فيصبحون يتفاخرون من صام اكثر وحجة الذين يفطرون “امي فطرتني وابوي شربني مي غصبني عني”؟

كذلك فالاطفال الصائمون يرتقون الى درجة الاعفاء من الخدمات، فعندما تطلب الأم الخدمات من أحد أبنائها المفطرين (اذهب الى الدكان اشتر لي كذا وأحضر لي كذا)، وعلى الفاطر أن يخدم بصمت بدون اعتراض، بينما يُترك الصائمون ليرتاحوا، خصوصاً في أيام الحر الشديد (اتركوه فهو صائم).
وأهم ما في صوم الصغار، هو تبرير استيقاظهم على السحور ومشاركتهم الكبار بتناول الطيبات الرمضانية، فليس من الإنصاف أن تشارك المتسحرين الأجلاء سحورهم ثم لا تصوم، لأن هذا سيبدو جشعاً وطمعاً بالمأكولات الرمضانية الخاصة بالصائمين والمتسحرين.

واذكر اننا كنا نذهب الى السوق حيث محلات بيع العصير والحلويات، وهي تعد على الاصابع، ابو علي وابو الركس، كنا نذهب زرافات، كل اولاد الحارة وكل واحد منا يعلن انه صائم حتى المفطر لا يجرؤ على الاعتراف خوفا من فضيحة اقرانه كذلك من عاداتنا في رمضان ومن باب التباهي بصومنا والتفاخر بذلك يطلب كل واحد من زملائه إخراج ألسنتهم لمعرفة المفطرين منهم. فالصائم يبيضّ لون لسانه، أما المفطر فيبقى على إحمراره. وعند إكتشاف مفطر بينهم يطلقون عليه أهازيجهم ” يا مفطر رمضان يا مقلل دينك.. كلبتنا السوده توكل مصارينك” وكان البعض من الاطفال يحتفظون بقطعة حلوة اشتروها بمصروفهم اليومي، يحتفظون بها قربهم ويحرصون عليها خوفا من سطو طفل من اطفال البيت الصغار المفطرين.

ولا انسى وقوفنا في الشارع اما لسماع مدفع المرحوم موسى المرعي السلمان او لرؤية اضاءة مئذنة المسجد العمري، والاضاءة تعني اقتراب وقت الاذان ولم يتبقى عليه الا دقائق معدودة، وما ان نسمع صوت المؤذن الشيخ محمد العزايزة  رحمه الله ” الله اكبر” حتى نصيح أذن اذن.

رمضان قديما كان أجمل، فقد كان أكثر ألفة ومحبة وتقاربا بين الأرحام والجيران والأقارب.