الرئيسية / كتاب الموقع / كازية الحج رجا وكازية الحج اسعد

كازية الحج رجا وكازية الحج اسعد

بسام السلمان
يرتبط الإنسان بكثير من الذكريات، ومن تلك الذكريات التي تلامسه عاطفياً ما يربطه بالحارة القديمة، واكثر ما تعيشه ذاكرتي هو حارتي القبلية، بناسها وشوارعها واماكنها، وقد اطلقت اسم الحارة القبلية على روايتي الصادرة مؤخرا عن وزارة الثقافة، فالحنين دائما الى المكان الاول، كما يقول الشاعر أبو تمام:

وكم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل
فالذكريات في كثير من الاحيان تنبشني هي وتلح عليّ، خاصة عندما أذهب الى الحارة القديمة حتى انني عندما أرى جدار بيتنا القديم الذي كتبت عليه اجمل الذكريات، ذكريات أطفال كتبوها بخط أشبه ما يكون من الزمن السنسكريتي كما يقولون وقلوب الحب المخترقة بالسهم الاحمر.
ومهما نعمل جاهدين على محاولة النسيان إلّا أنّ الذكريات تبقى محفورة بأعماقنا، وقد نستذكر أشخاصاً في الماضي نتمنى لو أنّ الزمان يعود ونجتمع معهم مرة أخرى، فنعمل على استراجعهم ونذهب هناك لكي نرى كيف كنا نعيش بلا هموم ولا مسؤوليات، فأكبر همنا كان لا يتعدى واجب مدرسي أو مشوار لمخبز الحارة نشتري منه الخبز او حمل ” قلن ” لتعبئته بدينار كاز من كازية الحج رجا او كازية الحج اسعد رحمهما الله.
وان لهذا المكان ذكريات الطفولة والشاب، فمكانهما المميز وسط الحارة القبلية، وعلى الطريق الدولي عمان دمشق وهما الكازيتان الوحيدتان في المملكة المتجاورتان ولا يفصل بينهما جدار او مسافات طويلة، الحاج اسعد والحاج رجا اخوان استمرا في صحبتهما حتى في مجال العمل منذ اوائل السبعينات وحتى اليوم.
فكلما مررت من هناك أجد نفسي ابتسم لا ارادياً حيث تتسابق تلك المعشوقة (الذكريات) أمام عيني كأنها تقنية عبر «الهولوغرام» أو ما يُعرف بـ»التصوير التجسيمي» بمواقف عديدة، تعود بي الذكريات ونحن نحمل “القلان” ونسير معا باتجاه الكازية ونصطف بطابور من اجل ان يملأ لنا العامل نصف القلن” وربما لم يكن يتجاوز المبلغ الدينار الواحد، وعندما كانت الكهرباء تقطع في الكازية يقوم العامل بالتعبئة من خلال المنويل اليدوي سواء كان الكاز او البنزين او الديزل.
ومن تلك الذكريات رؤية الحاج اسعد صباح كل يوم يحمل بيده مكنسة من القش، مكنسة خشنة ويكنس الشارع المار من امام الكازية، وكان كثيرا ما يستقبل رجال دولة من امثال ذوقان الهنداوي وشفيق ارشيدات وغيرهم ويقدم لهم ضيافة الشاي بالقرفة.
ومن تلك الذكريات رؤية سيارات المرسيدس القديمة” ال “180 و ال 190 ” خاصة تلك التي كانت تعمل على الديزل وتنقل الركاب من الرمثا الى عمان وكان يملكها شخص من بلدة الشجرة .
ولن انسى شجرة الفستق الحلبي التي كانت تظهر من كل مكان، وكم تمنيت لو استطيع تسلقها وسرقة القليل من ثمرها والذي كان يعد بالنسبة لنا نادر الوجود.
كنت اتمنى لو ان صديقي المرحوم عمر الرجا الداود ابو احمد قد شاركني هذه الذكريات فهو مليء بها ويحبها ويعشقها، رحم الله الحاج رجا وشقيقه الحاج اسعد الداود ورحم الله الصديق والاخ الحبيب عمر ابو احمد.