الرئيسية / كتاب الموقع / تأسيسيات الأحزاب والرسائل ذاتية الاختفاء

تأسيسيات الأحزاب والرسائل ذاتية الاختفاء

فارس محمد القرعاوي
سأفترض أنني شاب في أوائل العشرينات من عمره أغرته تجربة حزبية ما في مسلسل أو صحيفة أو رواية، أعجبته تظاهرة ما لأحد الأحزاب أو موقف نضالي ما وراء البحار لحزب ما اندلع منه ثورة شعبية في بقعة ما في الكرة الأرضية ضد الظلم والاستبداد والامبريالية والعمالة وكل مسميات مضادات الديمقراطية في الكوكب.
الشاب ولد لديه شغف خجول بالانضمام لحزب تعجبه رؤيته ورسالته، لكنه يمل من القراءة سريعا مثل غالبية شبابنا، يعتمد على الموجز البصري او البروموشن في حال توافرها، بحاجة أن يستخلص له أحدهم البنود العريضة او الرؤى لحزب ما، بعبارة أخرى أن الشاب لا تعنيه أدوات المعرفة المتاحة حول الأحزاب بالقدر الذي تعنيه له لقاءات اللجان التأسيسية للأحزاب هنا وهناك، فهي بمثابة فرصة مجانية للتعرف على الحزب، بل قد تكون مأجورة بغداء فاخر يتبعه صحن كنافة ملوكية.
وهذا مربط الفرس، في الآونة الأخيرة نشطت اللجان التأسيسية لأحزاب جديدة أو قيد التأسيس بلقاء منتسبيها في المحافظات بحسب ما ينشره كل حزب على صفحته مشفوعا بمجموعة كبيرة من الصور، فيما تبقى البرامج شحيحة ولا جديد فيها سوى بعض (الرسائل ذاتية الاختفاء مضبوطة بحيث تختفي بعد المدة المحددة) شهر، اسبوع، وربما 24 ساعة.
الشاب سيسمع لاحقا في أحد اللقاءات على لسان أمين عام أحد الأحزاب بأن حزبه تلقى الضوء الأخضر من جهات نافذة، إذ يلوح بحصتهم الوافرة في مجلس النواب القادم وربما تشكيل حكومة حزبية، الشاب يلفت انتباهه الحضور الكبير لمسؤولين سابقين لملتقى حزب يؤسس حديثا، في إشارة من أمانة الحزب بالثقل الذي يتمتع به حزبهم الوليد، ورغم همس ستيني كان بجانبه في أذن أحدهم … كل هؤلاء المسؤولين لا تربطهم اية علاقة في الحزب.
في الأثناء الشاب ستروقه الصفحة الرسمية لحزب آخر قيد التأسيس، والرؤية العصرية التي تزين صورة الغلاف، ولم يخب ظنه في لقاء اللجنة التأسيسية في محافظته، استمع إلى كلام يريد سماعه، لكنه لم يكن كافيا ليجسد ذلك المشهد الذي اعجبه في تلك الرواية أو في ذلك المسلسل.
سيستمع إلى حزب برأ نفسه من العشائرية مع أن قوامه عشائري ومناطقي بالتنسيق مع قريب أو نسيب أو صديق و صديق صديق في أكثر من محافظة، وآخر تفاخر بأن نواة حزبهم لا تنحدر من النخب، وغيره تغنى برسالة حزبه الرائدة والجديدة، مع أنها تتشابه إلى حد كبير مع سابقاتها من الأحزاب القائمة والمصوبة.
لا أذيع سرا لو قلت إن التحركات المكوكية للجان التأسيسية للاحزاب زادت الموقف الحزبي تعقيدا، واكاد اجزم أنها تسببت باضطراب حزبي لا سيما لدى الشباب، في ظل الشفافية المصطنعة التي تعمد لها بعض الأحزاب او تقع فيها سهوا، فكل ما يدور في ذهن صاحب السعادة وحجم الدهاء الذي يتمتع فيه معاليه او عطوفته ليس بالضرورة أن يكون في صالحه طالما أنه جلس وجها إلى وجه امام القواعد الشعبية، بمعنى ان المصارحة والمكاشفة والشفافية المجتزئة ليست هي الاستراتيجية الأمثل لاستقطاب الناس وخاصة الشباب، مع علمي بأنها مجرد رسائل ستختفي بعد انتهاء الوقت المحدد لظهورها، فموضوع الضوء الأخضر والحصة المضمونة في المجلس القادم قد تعجب البعض وتغضب آخرين، ومقولة نواة الحزب من غير النخب غير مجدية، فالحزب بحاجة نخب سياسية وفكرية وثقافية ترتقي وتتشارك في بناء برامج الحزب، بعيدا عن النخب التي قصدها حزب ما، وهي النخب التي مدت يدها إلى جيب الشعب.
في حديث سمعته من احد المنتسبين الأميين لحزب جديد ان الحزب تعهد في اجتماعات ليلية له بإدراج اسمه لقائمة الحزب المضمون وصولهم لقبة البرلمان، سعادته بالكاد يكتب اسمه لكنه دون أن يقصد وصف الأحزاب بأنها “مكتب تجهيز نواب”، اذاً الامور خرجت عن الإطار الحزبي، ودخلت دائرة التوزير والتنصيب والمحاصصة!