مستشيخ

مصطفى الشبول

كم أنت ظالم أيها الزمن … هناك أناس ظلمتهم الحياة والمجتمع ، عاشوا بين جنباتنا وقتاً طويلاً من الزمن بهدوء وسكينة ..لم نسمع لهم يوماً صوتاً … كنا نقصدهم فيلبوا الدعوة كالأبطال و بكل لطف وأدب ودون مقابل … عاشوا في البراري والسهول والوديان والورش عمال ومزارعين وفلاحين شرفاء بحثاً عن لقمة الحلال ..لم يحتاجوا أحد ، وكانوا يدارون الجميع ..كما يقال : ( بدهم سلتهم بلا عنب )…
لكن بالمقابل هناك أناس يحشروا أنوفهم بكل شيء ، خاص كان الأمر أم عام ، يعرف به أو لا يعرف ، المهم أن يكون له ضلع ورأي وقول وحضور ويرى أن كلامه السديد والصحيح , وأنه المنقذ لكل أمر حرج ولكل صعوبة وإشكال ، لكن الحقيقة غير ذلك … كنا صغار (أطفال) وكانت تصادفنا وقائع وأحداث ومواقف لا تغيب عن الأذهان … وطبعاً الطفل لا ينسى وتبقى ذاكرته مُتَفتحة … ويبقى يذكر كل من أحسن إليه وكل من أساء ، حتى أنه يذكر كم ضُرب بحق أو بظلم من أستاذه في أول صف ، ويعرف من كان يريد مصلحته ويحسن صحبته من طلاب صفه في المرحلة الابتدائية ، وكان يعرف الرجل الحق من غير ذلك وكل ذلك من المشاهد والمواقف الحقيقية التي كان يُختبر بها الرجال … حتى في المساجد وبيوت الله كان من يحسن لنا كأطفال ويزرع فينا حب المسجد والتعلق فيه ، ومنهم من تعيف الذهاب للمسجد لأجله .. إذاً هناك رجل واسع وهناك رجل ضيّق ، وطبعاً السعة والضيق يكونا هنا بالخُلق والطيب وبسعة الصدر … من هنا نعرف من يطلق عليه لقب شيخ بحق ، ومن يريد أن يَتَمشّيخ … وأروع الشيوخ وأجملهم هم من أرادوا سلتهم بلا عنب …