الرئيسية / كتاب الموقع / سعيد اخو مبارك

سعيد اخو مبارك

بسام السلمان

الكثير من المسؤولين في كثير من دول العالم لا يعملون وفق القوانين، بل يعملون العكس ويشيعون الفساد في مؤسساتهم، والبعض منهم كالمنشار نازل ماكل طالع ماكل”، لأنهم يعتقدون أن الحياة لهم، وانهم لا يخطئون، والسبب وراء ذلك وضع الشخص غير المناسب في المكان الخطأ، ويطلبون منا التعاون معه، لأنه خط احمر.
بعضهم يمارس التدليس بكفاءة عالية كي يحفظ المنصب والذي سيورثه لمن بعده.
ينطبق على هؤلاء المثل الشعبي: “سعيد أخو مبارك”، والذي يروى انه جاء عن قصة خطيب في إحدى القرى الخليجية، كان يخطب بجماعة من البسطاء، فقال: “أطعموا مطوعكم لحم الدجاج، وزوجوه البنت المغناج، تدخلوا الجنة أفواجا أفواجا”.
فكشفه أحدهم إذ كان أكثر معرفة بالدين اسمه مبارك، فتنحنح في الصلاة، فعرف الخطيب، وكان اسمه سعيد، أن أمره انكشف، فقال في الركعة التالية: “اسكتوا أيها المتنحنحون، الشرط أربعون، لكم عشرون ولنا عشرون”، فسكت مبارك ليكسب بالتواطؤ مع سعيد نعيم الفساد، لذا قالت الناس: “سعيد أخو مبارك”.
مما لا شك فيه أن القسمة” ففتي ففتي ” او النص بالنص سمة المرحلة؛ إذ يتم زرع المحسوبين في الإدارات كي ينفذوا أوامر المتنفذين الذين رسموا لهم مسارهم منذ البداية كي يستحوذوا على كل شيء، فينهبوا المال العام باسم الإنفاق على مشاريع سرعان ما ينكشف سوء تنفيذها، ويتقاسم الناهبون ثروات الدول.

والشيء بالشيء يذكر، ثمة قصة معبرة عن واقع الحال في معظم الدول العربية ومعروفة للجميع، تبين كيف تتم عملية التدليس على الناس من خلال منظومة متكاملة، تبدأ من مسؤولين فاسدين وتمر بخطباء يعرفون كيف “تؤكل الكتف”، ولا تنتهي عند المتمصلحين الذين يصبح جيشهم المدافع عنها.
ففي أحد الأيام، ﺍﻋﺘﻠﻰ ﺍلخطيب منبر المسجد، ﻭﺃﺧﺬ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ، ﻭﺗﺮﻙ الإسراف، ومحاربة الفساد، ﻓﻘﺎﻃﻌﻪ أﺣﺪ ﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻓﺔ، ويبدو أنه كان يتابع سلوك هذا الخطيب فقال: “حضرة الشيخ، ﺟﻨﺎﺑﻜﻢ ﺟﺌﺘﻢ ﺑﺴﻴﺎﺭﺓ فخمة، ﻭﻣﻼﺑﺲ ﻓﺎﺧﺮﺓ ﻣﻦ أﺣﺴﻦ ﺍﻟﻘﻤﺎﺵ، ﻭﻋﻄﺮ ﻳﻔﻮﺡ في أرجاء ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﻫﺎﺗﻔﻚ من أحدث طراز، ﻭﺗﺬﻫﺐ ﻟﻠﻌﻤﺮﺓ ﻛﻞ ﻋﺎﻡ، وتنام في منزل كبير”.
وأضاف: “هلا رافقتني ﻳﻮﻣﺎ ﻭﺍﺣﺪﺍً إلى غرفتي المتواضعة، ﻭأﺭﻳﺪﻙ أﻥ ﺗﻨﺎﻡ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ مكيف، ﺛﻢ ﺗﺼﺤﻮ ﻣﻌﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﺠﺮ، ﻭتحمل ﺍﻟﻤﻜﻨﺴﺔ ﻟﺘﻨﻈﻒ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ في ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺮ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ، ﻭﺍﻧﺖ ﺻﺎﺋﻢ، ﻟﻜﻲ ﺗﻌﺮﻑ معنى ﺍﻟﺼﺒﺮ”!
أردف الرجل: “أنا أفعل هذا ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، لأتسلم ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﺯﻫﻴﺪﺍ ﻻ ﻳﺴﺎﻭﻱ ﻗﻴﻤﺔ ﻗﻨﻴﻨﺔ ﺍﻟﻌﻄﺮ التي ﺗﺸﺘﺮﻳﻬﺎ”!
وقال: “ﻋﺬﺭﺍ خطيبنا، ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﻨﺘﻌﻠﻢ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻓﻬﻮ ﺭﻓﻴﻖ ﺩﺭﺑﻨﺎ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ الظلم والرياء، وعن البطالة المتفشية في المجتمع، وعن الشعوب المضطهدة، وحدثنا عن الفساد ونهب المال العام والمفسدين، وعن الطبقية وغياب العدالة في توزيع الثروات، وحدثنا، أيضا، عن الواسطة والمحسوبية، ﻭإﻻ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ بخطبتك”.
اعتذر إن كان هناك شخص اسمه سعيد وله شقيق اسمه مبارك