الرئيسية / كتاب الموقع / من تراثيات الرمثا / مبارزة المُفاقسة بالبيض

من تراثيات الرمثا / مبارزة المُفاقسة بالبيض

الدكتور سعيد البشير

في أوائل الربيع وعندما يبدأ ( الدفا) يسري في عروقنا ، أيْ في سعد السعود ( عندما تدب الماوية بالعود ) ، يكثر البيض ، ( طبعاً البيض البلدي الاصلي ) . وكان من عادة النساء في الرمثا ، وكذلك في المنطقة ، تربية الدجاج والحبش في المنزل ، ( من ١٥- ٢٠ دجاجة ) .

كنّ يبعن ما يزيد عن حاجة الاسرة من البيض الى تجار البيض والطيور ( الدوارة ) حيث انهم ينشطون في تلك الفترة من العام .

كان سعر البيض آنذاك الذي يفرضه تاجر البيض الدوار غريباً نوعاً ما ، اذ يفرض على المرأة عدين عدّ سبعة وعدّ ثمانية ، ايْ كل خمسة عشرة بيضة بعشرة قروش . لا زلت الى الآن اجهل لماذا يفرض الدوار هذا السعر على المرأة .
ما ذكرته اعلاه هو مقدمة للموضوع الذي سأعرضه وهو ( المُفاقسة بالبيض ) .
كان ذلك في الخمسينات من القرن الماضي ، عندما يفرغ الشباب من احضار الحشيش من الحقول والسهول ، من اجل اطعام ( الطرش )، اي الحيوانات التي يقتنيها الفلاح في المنزل . فيطعمونه جزأً ويدخرون جزأً آخرا بعد تجفيفه والاحتفاظ به لأيام الشتاء ، كعلف مساعد للتبن والشعير والكرسنة .
وفي المساء أي بعد صلاة العصر ، يجتمع الشباب في ساحة في الحارة . وفي حارتنا كانت الساحة التي يلتقون بها مكان عمارة حاتم الزعبي الآن .
وكان يُحضر كل شاب مجموعةً من البيض ، بعد ان يكون قد فحصه للتأكد من صلابته وقساوة قشرته .
يلتقي شابان فيقول احدهما للآخر :” اتفاقس” ، فيجيب الآخر بالموافقة ، فتبدأ العملية بأ ن يسأل احدهما الآخر : ” في ضوق” ، الضوق او الذوق هو فحص بيضة الخصم بأن يدقّ برأس البيضة على اسنانه الامامية ، للتأكد من صلابتها ، وكذلك يفعل الطرف الآخر . والمعروف أّنّ للبيضة رأسياً جانبان ، الرأس وهو الطرف الرفيع من الأعلى والعيز ، وهو الطرف العريض من الأسفل .
والمبارزة تكون اما الرأس بالرأس ، او العيز بالعيز .
فيضرب احدهما بيضة الآخر ، فالذي يكسر بيضة الآخر يربحها .
وهكذا تجري مبارزة المفاقسة مع جميع الشباب ، الذين يكون عددهم في الساحة حوالي عشرون الى خمس وعشرون شاباً.
كنا نحن اطفالاًصغاراً ، نذهب الى الساحة كي نتفرج على هذه المبارزة ، ونشتري بعض البيض المكسور من الشباب الذين حالفهم الحض بالربح ، ونشتري كل بيضتين بقرش .
اعتقد بأنّ هذه المبارزة قد اختفت في أوائل الستينات.
ولا أدري ان كانت مثل هذه المبارزة مشروعة دينياً ، ام تعتبر نوع من القمار ، لكن لم اسمع بأنّ احداً قد استنكرها .