الرئيسية / كتاب الموقع / الآفاق المفتوحة لبلدنا !

الآفاق المفتوحة لبلدنا !

اسماعيل ابو البندورة
هدأت فورة الغضب وردة الفعل التلقائية ولكنها لم تهدأ بصورتها النهائية كما قد يتهيا للبعض إذ بقي في المجال العديد من الأسئلة والافتراضات الكامنة وبقيت منابع الزلل والخطل مفتوحة على احتمالات متناقضة وسئم الناس من سياسة الترقيع وحلول المياومة وتكونت لديهم ثقافة سياسية نقدية واحتجاجية منبثقة عن الفاقة المتفاقمة والحيرة والرعب من المستقبل وأصبحت تبحث عن تشخيص حاد وحلول متكاملة لا تعتمد على التسطيح والارتجال والقدرات الذاتية للأشخاص .
الأمر إذن وكما بدا يحتاج إلى إعادة بناء ومصارحة وشفافية ومكاشفة وهذا قد يتطلب وقتاً وصبراً جميلا ولكن إرادة التغيير قادرة على تجاوز الأزمات بحس جديد وثقافة تغييرية مغايرة ، ولا بد هنا أن يشعر الجميع بلحظات التحول واكراهاتها واستحقاقاتها لأن التغاضي والفرار من ذلك قد يوقع الجميع في أزمات متتالية وقد يفتح المجال للإستدخالات البغيضة والصدامات وسوء التفاهمات غير المستحبة .
والأمر من الناحية الثانية لا يحل بالوعود والشعارات والمناشدات وإنما يتطلب سياسات واستراتيجيات وقراءات جديدة لواقعنا وظواهره وتحولاته تتجنب ثقافة التمترس وتضع الأزمة الوطنية على طاولة البحث والتدقيق والمراجعة وتحول الحديث العميق عنها إلى ورشة عمل على كل المستويات والصعد الرسمية والشعبية وذلك من أجل الوصول إلى تفاهمات تجنب البلاد الزلازل والهزات المفاجئة وتعمق روح المواطنة والمسؤولية وتشرك الشعب بأكمله في الإسهام ببناء التصورات والادراكات حول الحياة الجديدة والعقد الاجتماعي الجديد الذي يفتح آفاق وإغلاقات المجال السياسي العمومي ولا يهمش الناس ويلقي بهم في براثن الفساد والحيرة والضياع .
لابد في كل الأحوال وفي الظروف الصعبة الراهنة تحديدا من ” ميثاق وصفقة ايجابية ” لإنقاذ البلاد ، ميثاق – صفقة لا تقوم على التضاد والتجابه وكسر العظم بقدر ما تقوم على الوئام والمحاورة ، وميثاق – صفقة لا تقوم على التمرير والتواطؤ والاستهبال بل صفقة لها طابع الوفاق بين الشعب وسلطاته تبين لكل طرف ما له وما عليه في مجال التآلف والتشارك في افتتاح الأفق الوطني المؤسسي الجديد ، وكل من لاحظ مزاج الناس الذين نزلوا الى الشارع لابد أن بدا له الحرص الشديد على نبذ الفوضى والتخريب والتدمير الذاتي والاستعداد للمحاورة والتفاهم ، وكل ما أظهره الشارع كان يؤكد على ادراك ووعي كامل بضرورة الصحو والاحتجاج ودب الصوت ولكن بطريقة لا تذهب إلى التطرف والاستقواء والاحتكاك الخشن وإحداث مالا تحمد عقباه .
وملّ الناس من المقارنات مع الدول العربية المجاورة المنكوبة إذ لا أحد يسعى في بلدنا إلى تكرار ما يجري فيها لا بل هو يقاومة بكل ما يستطيع ويسعى إلى تجنبة بكل الامكانات إلا أن سياسة التخويف المرافقة لهذه المقارنات في الكثير من جوانبها لا يجوز أن تلجم الناس عن التفكير بالتغيير في بلدها والسعي إلى بناء مناهج سياسية حداثية جديدة قد تأخذ البلد إلى معارج جديدة من الاستقرار والتحضر والنهوض .
دعونا في مثل هذه اللحظات الفارقة أن نفكر جدياً وجماعياً بإطلاق حوار وطني عريض وهاديء نشخص فيه حالتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية بشكل عقلاني وموضوعي ، دعونا نستشمر هذا المناخ والمزاج الشعبي السائد للتفكير بحاضرنا ومستقبلنا بشكل مختلف ، دعونا نبني وطننا بذهنية وطنية متعالية وعاقلة وحكيمة ، دعونا لا نفوت الفرصة ولا نكون من أهل الزبد الذين ذهبت حياتهم جفاءً.