الرئيسية / كتاب الموقع / حال البلاد…مرة أخرى

حال البلاد…مرة أخرى

 

د. عبدالله الزعبي.

أخذ يتصفح حال البلاد والصفحات التي تربو عن ألف ونصف وينيف، يقلب وريقات الحاسوب من رابط إلى أخيه ومن نقرة للسبابة إلى قرقعة على الفارة، يجول به البصر في وهج الشاشة التي تغمرها العناوين والخطوط المطرزة بالبهاء ونفحات التحدي، فثمة أيقونة هنا تستهوي الألوان وذانك قائمة هناك تلوذ خلفها الأحرف وتحتجب الكلمات. جال حائراً في فقرات وأسطر ذاك التقرير الذي يلهث على خطوط الإنترنت خلف النجومية الزائفة وألق الأضواء، مثلما جنرال يخوض آخر معارك الشرف، إذ يصفي حساباً مع جيل من الساسة أنتهت صلاحيته وأفلت أيامه، وبرأفة يطلق رصاصة الرحمة على الجسد المدمى بالوصمة والنهاية المشينة والعار.

إرتشف قليلاً من رحيق الشاي المعتق بالنعناع ليهدأ من روع أوصالة التي كان يداعبها برد كانون بأناملة الحادة، فإنسلت في غفلة به الذاكرة إلى أودية العمر السحيقة، إلى ذاك اليوم من تشرين الحزين، يوم هزمت فيه براءة اليقين وإغتصبت نشوة الأنجاز، ذاك أنه كان عائدً للتو على أجنحة اللهفة من بلاد الضباب والعلم، بعد سنين من سواقي الوجع وأوصاد الغربة وأنان الشوق للديار والإنس وبيادر الطفولة. عاد فتىً مسرعاً يرفرف مثلما عصافير العشق إلى عشه، يبغي آيات الشرف في ساحات الفكر والعمل وخجل الرجولة، كان الطيب يغمر فؤاده وجوارحة، وتغني أوردته الحان الود والتسامح كأنه يتوشح مكارم المسيح. سافرت به الذاكرة إلى جبال جرش على الطريق العتيقة الملتوية كأنها أفعى سوداء تلتف حول ثغرة عصفور مثلما الفريسة، أحس بشجر الصنوبر المتناثرة على السفوح تئن من فحيح العطش وهجر السماء والغيوم، تماماً كإحساسه بحجم الظلم في عصر ذاك اليوم من تشرين، شباب تسجن وأرزاق تقطع ودراسة توقف وسفر يحرم وكفاءات تقصى وأقزام تسود وقائمة تطول. كانت انعطافات الطريق وإلتواءتها تعمق إلتواء آلمه وغصته، فمنذ ساعة فقط خرج من غرفة التحقيق التي لم يدخلها بعد ذلك قط، مرة واحدة كانت كافية بأن يتعلم منها درس الحياة وحجم الظلم وجرحه الغائر. كان المحقق بنفس عمره، وربما شكله وهيبته، لكنه كان عبوساً متغطرساً ترتسم على قسمات وجه الحنطي ملامح القسوة والغلظة. إرتعدت جوانحه عندما علم أن جل ما يريده منه ذاك المحقق أن يتحول من عقل متقد يجوب عوالم التفكر والمعرفة إلى عين تجول في فكر الخلق وقلوبهم وألسنتهم وشؤونهم، يريد ذاك الغر أن يحيل الجذوة المتقدة إلى جرثومة تافهة بغيضة، يبدل العقول بالعيون، ثم عجباً يتسائلون، ومذ ذاك تشرين قبل نيسان يكتبون عن……..””حال البلاد ومآلها!!””.

د. عبدالله الزعبي

تعليق واحد

  1. اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه .. الله الله ما اعمقك يا عبد الله .