امي

بسام السلمان
كانت دائما تتألم وتشكو وكانت احيانا كثيرة تبكي بحرقة ونشعر كم هي تعيش في حالة من العصبية، وكانت تتذمر كثيرا ولا تتوقف عن الشكوى، وكنا نبحث عن الاسباب التي ادت الى هذا الامر وعن سبل تغير نفسيتها وعلاجها وتخفيف عنها الامها واوجاعها، حتى اننا كنا نبحث عن ادق التفاصيل من اجل ادخال الفرح الى صدرها، لم يقصر اي منا بزيارتها او المبيت عندها او الجلوس عندها لساعات وكان كل همنا اسعادها، الا انها كانت دائما تبحث عن شيء يغيب عن اذهاننا وعن عقولنا.
وفي يوم من الايام القريبة جدا من كتابة هذا المقال كنا نجتمع في منزل اخي، كنا اربعة اخوة وكانت هي خامستنا، ورحنا نسرد لها من الذكريات، ذكرياتنا معها في طفولتنا والمقالب التي كنا نقوم بها والعقوبات التي كانت توقعها علينا رغم انها تنفي انها كانت تعاقبنا بها، ومع رواية المزيد من الذكريات والضحك كان وجه امي يسترد عافيته وعاد وجهها الى تلك الايام التي كنا اطفالا نجلس حولها، ورأيت ان شبابها قد استرد لها حتى ظننت انها ستقوم وتركض خلف احدنا وتمسك به وتفاجئة دون ان يستطيع الهرب والافلات من بين يديها ومن عقابها.
ضحكنا كثيرا وضحكت امي بصورة لم ارها عليها من قبل وعاد اللون الوردي الى خديها وعادت لها حركة يديها من جديد وكأنما مسح عليها السيد المسيح عليه السلام وكأنما عادت الى شبابها من جديد، لقد كانت ليلة جميلة جدا، اكتشفت خلالها ان امي لا تحتاج الى التهام كمية الدواء الموجودة في كيس العلاج الموجود فوق رأسها ولا تحتاج الى مسكنات لايقاف الالم ولا تحتاج الى ان نبحث لها عن اسباب مرضها وانزعاجها وتوترها، اكتشفت ان امي تحتاج الى لمتنا حولها وجلوسنا بين يديها وعدم تركها وحيدة، تحتاج الى ان نجلس معا كلنا وليس منفردين، نجلس قربها ذكورا واناثا ونعيد لها ايام كنا اسرة واحدة نجتمع على فطور واحد وغداء واحد ويدور بين ايدينا ابريق شاي واحد.
تحتاج امي الى الفتنا وتجمعنا وتحتاج الى ان نشعرها اننا ما زلنا اطفالا نحتاج الى رعايتها في كل شيء وليس هي من يحتاج الى الرعاية.