الرئيسية / كتاب الموقع / أصحاب النون واليقين

أصحاب النون واليقين

 أصحاب النون واليقين، أشهاد السورة والقلم وذي الخلق العظيم في القرآن، غيث السحاب والجود وطيب الذكر…وحدهم…من يجرؤ على الدنيا ويخوض غمارها، من يدرك فحواها ومعناها، لا تستقيم الحياة إلا بهم إذ لا معنى للمقام دونهم، هم القطر الذي يسقي النفوس محبةً ووئاماً، هم بصر الزمان عندما يدرك سمعه وإحساسه وأناته. أصحاب النون والخلق العظيم، وحدهم، من يبث العزائم في الهمم ويقيم الأنام والأجيال في دروب النجاة والفلاح، ذوي النفوس العظام والأجساد المتعبة في مرادها، عطر المداد وزنبق الصحائف، بقية من القلة، تلكم الثلة على ضفاف الأولين، فصيلة في رحاب بدر والخندق والقليل الشاكرين، ذياك حسن وأسوة يسر الناظرين رونقها ويطرب السامعين الحانها. أصحاب الخلق العظيم هم عصم هاتي الأمة، هم القنديل والمصباح في حالك الأديم والظلمة. أصحاب النون واليمين، أم رئمت ولدها بالسهر والصبر، قرة العين إذ تظله بالرمش وتحتضنه بالجفن مذ لحظة اللقاء الأول والخلق والتكوين، كل يوم منذ تفتج زهرة الفجر بإريجها الندي حتى تسدل الشمس مآقيها في أفق المغيب، بالنصب والحمى، في الدرس والواجب، في الطهي والغسل، كأنما في فرحته حازت الدنيا وفي رضاه طوت في راحتها أسباب النعيم، فكانت الجنة تحت أقدامها، كانت مدرسة للحياة، عظم شأنها وتربت يداها. من أصحاب اليمين، أب يرى فلذات كبده كأنها الروح في الجسد، في حبهم يحسب الدنيا ملك يده، يبذل العطاء بشغف ويكابد عناء المهانة والغربة، يتبسم ثغره الوضاء لهفة للبقاء والخلد والذكرى. من أصحاب اليمين عقب وذرية، تبر الوالدين وتحسن للقربى، توصل الرحم وتميط أذى النفوس والفواحش، أرواح تتطهر، تمسك اللسان وتلوذ بالصمت، تتمسك بأهداب الفضيلة، تعفو وتتسامى عن الصغار والصغائر والسفاسف، تحب معالي الأمور وتتزين بحسن الخلق وسلامة المنطق، تتسلح بالعلم والقلم، ديدنها الإيمان ومبتغاها الحق والخير والجمال. أصحاب اليمين فيهم قلة من ساسة، من رجال مال وتجارة ونفوذ، ينزغ الله بهم ما لا ينزغ بغيرهم، ولو كان القرآن، هي نخبة ظئر للعباد، ملاذ الفقر والعوز والجوع، بهم تصلح البلاد ويزدهر العمران، بهم تأمن الرعية والأنام، بهم سلامة الأوطان وبر الأمان. فهيهات إن كانوا حقاً من أصحاب اليمين، يحملوا في أعناقهم النون واليقين، ثم يجروؤا على لقاء ذي الخلق العظيم، ذات يوم….الدين. د. عبدالله الزعبي.