الرئيسية / كتاب الموقع / معايير الجمال ما بين التنمر والعنف

معايير الجمال ما بين التنمر والعنف

بسمة العواملة

لطالما كانت مقاييس الجمال متفاوتة من شخص لآخر، وقد قيل بأن الجمال نسبي فما يراه البعض جميلا يراه آخرون اقل من العادي، وهذا التفاوت في وجهات النظر لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يخلق حالة من انعدام قبول الإختلاف والتنوع بين البشر،

ولكن في ظل ما نشهده من إجتياح لتكريس معايير جمال محددة في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، بحيث يعمد الى إنتاج قوالب نمطية تتقبل كل من تتوفر لديه هذه المعايير المعدة مسبقا وتستبعد كل من لا تنطبق عليه، مما يؤدي الى حالة من الكآبة والقلق النفسي قد يعاني منها هؤلاء المستبعدين والذين قد يتعرضوا ايضا الى التنمر والسخرية من الآخرين، مما يخلق لديهم من أزمات نفسية عميقة من الصعب تجاوزها.

ولعل حادثة وفاة ابن أحد المطربين العرب مؤخرا نتيجة إجراءه لعملية تكميم للمعدة رغبة في الوصول الى الشكل المثالي من وجهة نظر المقربين منه، وللتخلص من تعليقات السخرية والاستهزاء المستمرة من شكله، خير دليل على ما يعاني منه المتنمر عليه من الام نفسية وتدني إحترام الذات وإنعدام الثقة بالنفس.

هذه النتائج تدق ناقوس الخطر، فظاهرة التنمر بلغت حداً مثيراً للقلق يتطلب الوقوف عندها كثيراً وبخاصة في المدارس وقد يتطلب الأمر تعديل بعض احكام قانون العقوبات بإضافة مادة جديدة تجرم التنمر وتتصدى لهذه الظاهرة بكل حزم.

وهذا التعديل المطلوب يتوافق مع تعريف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) للتنمر بأنه أحد اشكال العنف الذي يمارسه فرد او مجموعة من الأفراد ضد آخر او إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، فمظاهر العنف متعددة وكثيرة و يصعب حصرها، وعلى الرغم من وجود تشريعات تجرم التنمر بشكل غير مباشر، الا أنها تبقى نصوص متناثرة ولا تجتمع بنص واحد صريح يجرم فعل التنمر، مما يسهم بشكل او بآخر بإفلات الفاعل من العقوبة لعدم وضوح النص القانوني.

وقد درجت كثير من الدول في الآونة الأخيرة على ايقاع العقوبة الرادعة بحق كل من يمارس التنمر على الغير سواء كان تنمر جسدي او لفظي، وافردت مواد في قانون العقوبات لمعاقبة المتنمر بالحبس والغرامة بل وشددت العقوبة في حال التكرار.

ولكن لا يكفي أن نطالب فقط بتعديل التشريعات للقضاء على هذه الظاهرة، بل يجب أن يوازي هذه الخطوة العمل على رفع مستوى الوعي لدى الأطفال والطلاب بمختلف مستوياتهم باضرار هذه الظاهرة وما تعكسه من تأثيرات على نفسية اقرانهم، والعمل كذلك على تطبيق تعليمات الضبط المدرسي والجامعي، ووضع برنامج وقائي من التنمر ورصد نتائج البرنامج بشكل دوري وقياس الأثر لمعرفة مدى إستجابة التلاميذ وإنعكاسه على خفض نسبة الحالات وبالتالي ضمان القضاء على هذه الظاهرة القديمة الجديدة بتظافر كافة الجهود التربوية والثقافية وجهات إنفاذ القانون.