الرئيسية / كتاب الموقع / الوطن يسألكم أساتذتي الكرام

الوطن يسألكم أساتذتي الكرام

الوطن يسألكم أساتذتي الكرام

د. عبدالله الزعبي

الأساتذة، حماة عهد وحراس كرامة، حفظة مهنة الشقاء إذ بها ينعمون، ورثة الأنبياء وحاضنة وجدان الأمة وقلبها النابض، هم منارة العلم وضمير القلم والسيف، يكاد واحدهم أن يكون رسولاً ومشعل نور وهداية وسراجاً منيراً، تقف الأجيال والأيام لهم تبجيلاً وعرفاناً وتنثر لهم ورود الود تقديراً. الأساتذة حماة فكر ودروب حق ووخزة الضمير، هم صدق الفجر والفلق والخير المنهمر من سموات اليقين، شجاعة عقولهم ما بخلت يوماً في بناء النشيء جيلاً بعد جيلاً، أناملهم صقلت روح الطفولة والشباب وأزالت صدأ الجهل والظلمة والخوف القابع في جنبات الماضي وشمسه الحزينة، أما أياديهم فما سئمت ندى المداد إذ تخط على القرطاس آيات شرف وهدى يفرح به الورق والأفق، يتألق ضيائهم في جبين الأمة لا أطفأ الله نورهم.

عجباً يقف الاساتذة في الجامعات اليوم على قارعة الطريق وهامش السطور، كأنما يحتفلون بحرقة المشهد مثلما مشجعي الكرة، صراخهم صامت وهتافهم باهت لا يحرز هدفاً ولا يحقق نصراً. أصبح الأساتذة أسارى المناهج البالية وعقوق العلامة التافهة والمكاسب الزائلة، سكن الخوف في أوصالهم وأضحى يزاحم الجبن والخرع والفشل في أحشاءهم، بينما الوشاية جائزة وحماية والتقرير ضماناً للمنصب والهيبة واللقب اللعين. كأنما الوطن لا يعنيهم إذ يرددون وينقلون هذر العوام في صالونات البطولة وعبر وسائل الإنترنت والمنام.

تتمنى النفس أن ترى دراسة علمية واحدة في علم الأجتماع عن آفات المجتمع والجريمة وتفكك النسيج، أو بحثاً في السياسة عن الربيع والحراك وسرقة الدستور وخنوثة الأحزاب، ولما ولد كبيرهم في كنف الأمن والجهاز، ولما أصبح الساسة سماسرة ووسطاء في البورصة من طبقة الأعمال. تتوق النفس لتقرأ تقريراً محايداً من اساتذة الجامعات عن الاقتصاد والمديونية وضرائب الجنون، عن الفقر والبطالة والقنوط في روح الصبا والعنوس في محيا الصبايا، تتوق لرؤية علماء الإدارة يتصدون لإنهيار الإدارة وشح القيادة، ترغب في سماع رأي شيوخ الشريعة في السياسة والإمامة ووعض السلاطين، ومن اساتذة الحقوق عن مجلس الأمة بشقية وشرعية القانون وتلك الإتفاقيات المقدسة ومنها الغاز، تستفسر من أهل التاريخ عن الثورة والبيعة والإنتداب والوصاية، تسأل اساتذة الهندسة لما غرقت بالأمس عمان ولما لا نصنع في بلاد الشمس طاقة الشمس والرياح. يتوق الوطن أن يسأل اساتذة الجامعات لما عم الفساد وساد الحقد وكبرت الكراهية وانتصر اليأس، يسألهم لا أطفأ الله نورهم إن شاركوا الوطن اليوم شكواه وأحتضنوا الأمة وسقوا الكتاب.

د. عبدالله الزعبي.