الرئيسية / كتاب الموقع / ضجة البيان

ضجة البيان

ضجة البيان

تمنح الغربة صاحبها صفاء الروح إذ يتقلب على أسرة الحنين، تغمره المنافي باللهفة والتوق لموطن الأمنياتِ، يدفعه كر الليل الأعمى إلى قعر الواقع ومرارة الحقيقة، يراها عارية دون زينة أو تبرج، فيها تنفسح له أجواء الشجاعة لطهو القرار الكظيم على نار الحذر والتأني، فربما تفتح عليه أبواب الغضب أو يصطلي بأتون النأي والإقصاء أو يلقى حتى خارج أسوار القوم والزمرة الرشيدة.

بالأمس أعلنت صادقاً التأييد لبيان عشيرة تربض في محراب الوطن وتعتلي قمم التاريخ السحيق، ترتعد ثلة من أبناءها اليوم، مثلما كثير، من أنياب الخوف ومخالب المجهول، تئن اوصالها رعباً من غياهب الضياع والإضطراب إذا ضلت الطريق. قفز التأييد بالأمس عن حواجز العصبية ودعاوي الجاهلية، فالروح وطنية الهوية ما زالت، عروبية الهوى، ليست مع غزية إن غزت سوى في سبيل البلاد والإنسان، فلا أحزاب فلحت ولا سائر دعوات المدنية، أما وشائج العدل ونسيج النزاهة فينقض غزله أو يكاد، وأما أولي الأمر فيسأثرون بالأمر كله والرأي والحقيقة، في أبراج عاجية، يقتصرون أحاديثهم مع اصحاب الياقات الأنيقة في القاعات المغلقة، يحيطون أنفسهم بأولي القرب والقربى والمؤلفة قلوبهم وجيوبهم، كأنهم لا يفقهون قصة ذي النورين والفتنة في صدر النور وجبين الخلافة وهامة الحق وسراج الإنسانية.

فجاةً أمطر الهاتف الذكي بسيل منهمر من رسائل التحذير تارة وتأييد التأييد أخرى، منها ما يشكك بالبيان وأصحابه وغيرها يخشى عليَ عاديات الغضب وقبضة العتب، فيهم قريب قلق وصديق صادق العهد والنصح، منهم من فقد الثقة وسخر من الناس والأيام، وبينهم من يتهم بالخروج عن الوطن والعقوق. أيقنت البارحة أن للنهر لغتان، احداهما شرقه والأخرى غربه، وأن للعاصمة لغة ولأخواتها والأطراف الممتدة على خريطة الألم والمكاسب لغة أخرى، لغة للمؤلفة قلوبهم وثانية لأصحاب الهوى، لغتان لا يرتقي أي منهما إلى لب الحقيقة والقراءة العميقة، فالوطن يجب أن ينطق لغة واحدة فحسب فيها ضمان المسير إذ هي معركته، في ظاهرها مال واقتصاد يتصارع مع الإصلاح والسياسة وفي باطنها معنى الوجود، معركة ليست مع النظام بل به وله، ومسيرة لا تأخذ على اليد بل بها، ذاك ما نبغي ونريد لوطن أضحى العقد الفريد الذي يلملم أوصال الأمة ووحيداً يحتضن فلسطين، لا شيء لنا سواه غير ضروب الصحاري والصقيع والقبلية والليالي الموحشة في بطون التاريخ.

د. عبدالله الزعبي.