الرئيسية / كتاب الموقع / نوستالجيا برسم الغربه

نوستالجيا برسم الغربه

بقلمي :محمود مناع الزعبي

للغربة ثمن، وثمنها باهظ جدا، لا يعرف حجمه ولا يدفع مستحقاته الا من حمل حقائبه، وودع الاهل والاحبه والبلاد والعباد، وغادر سعيا وراء دراسة، او تحسين مستوى معيشه، او هروبا من واقع مرير.

كثيرةٌ هي تبعات الاغتراب؛ لعلّ ابرزها الحنين للوطن والاهل والخلان. فكلما هفهفت رياحُ الحنين ‘حِجابَ’ العشق للوطن، اكتوت قلوب المغتربين بنار الاشتياق لمن غادروهم على مضض، لذا اصبحت ادوات الاتصال المرئيه والمسموعه بلسماً مؤقتاً لجرح غير ملتئم سببه الغربة. كما بات الاستماع الى قنوات الوطن، وسماع الاشعار والاغاني ملاذا قد يعيد لهم اعتبارهم المنسي برسم الوطن وتفاصيله .
وكما تُأثِّر الغربه في الكبار، فإن لها ايضاً تأثيرا على الصغار . فاؤلئك الذين يولدون وينشؤون في وطن غير وطنهم الام، هم في الاصل منعزلون عن ثقافة ابائهم واجدادهم ، وهذا جليُّ في سلوكياتهم وشخصياتهم التي تبدو مختلفه فيما لوكانوا بقرب من نظرائهم في موطنهم الاصل.
فبالامس غير البعيد، كنت في زيارةٍ لاحد الاقارب للاستئناس وللحديث حول هموم مشتركة في وطن الغربة، في لحظة اخذنا الشوق والحنين للوطن، ولكسر الروتين الممل في الغربه ومن اجل خلق روح الفرح، قام صديقنا هذا بتشغيل اغنية تراثية لاولاده، الذي لايتجاوز كبيرهم العاشرة من عمره، وكانت الاغنية بصوت المطرب الشعبي المحبوب متعب السقار. وكانت الاغنيه التي تشيع البهجة في النفوس لكونها توصف حالة فرح، تبدا بكلمات: ” من هون ودزّ… يامدرج درّج باصك،،، من هون ودزّ .. ياعمي …هذا الفرح لخلي ،، والكل يهز…” ولكن فجاءةً تحولت صالة منزله الى ساحة عراك ودفع بالايدي بين الاولاد، ولولا تدّخلْ صديقنا ، ونزع فتيل العراك، وفرض حاله من عدم التواجد والتجوال في الصاله لقاموا بتكسير ايدي بعضهم بعضا، ولنزفت روؤسهم دما نتيجة الارتطام بكومدينا التلفاز بسبب كثرة ” الدز”.
الشاهد هنا ان رب الاسرة قد يضطر للاغتراب بهدف تحسين وضع الاسره المادي، لكن بالمقابل قد يخسر اطفاله طفولتهم وبراءتهم التي يجب ممارستها على الوجه الاكمل. لأن توفير الحاجات المادية لهم على الرغم من اهميتها لا يكفي وحده ، فالطفل بحاجة إلى مرافقة أطفال من سنّه، والإستئناس بهم، ما يرفد نشاطه ويجعله اكثر تكيّفاً، . وخلافاً لذلك سوف تتجّسد لدى الطفل حالة كبت طفولي بسبب الاغتراب. لله در الاجازه ما اجملها!.
بس السوال الي محيرني : معقول حليب الاولاد صناعه صينيه ام الحق على متعب الصقار ! ام سلوكيات الاولاد اصبحت تجاريه في معمعة الغربه!
(ومن هون ودزّ!!!!!)