الرئيسية / كتاب الموقع / مساهمة خجولة قدمها البنك المركزي لحل الازمة الاقتصادية

مساهمة خجولة قدمها البنك المركزي لحل الازمة الاقتصادية

 

 

مساهمة خجولة قدمها البنك المركزي لحل الازمة الاقتصادية التي تواجه المشروعات صغيرة ومتوسطة الحجم ، لا ترتقي لمستوى التحديات وخطورتها في هذا الظرف الاستثنائي مقارنة بما قدمته وتقدمه البنوك المركزية الاخرى في الدول العربية لحل هذه الازمة الاقصادية وما قد ينجم عنها من مخاطر اجتماعية :-

 

حيث اصدر البنك المركزي تعليمات تتعلق بتخصيص مبلغ 500 مليون دينار تقدم للبنوك لاعادة اقراضها للمشروعات صغيرة ومتوسطة الحجم بمعدل سعر فائدة 2% وفقا لتعليمات البنوك وسياساتها الاقراضية مضافا لهذا السعر كلف محددة ككلفة كفالة هذه القروض من قبل شركة ضمان القروض ، وتدفعها المشاريع الصغيرة عند عملية الاقتراض ، وقد اغفل البنك المركزي وشركة ضمان القروض ان هذه الاجراءات تناسب الاوضاع الاعتيادية ولا تناسب اطلاقا الوضع الحالي الاستثنائي الذي يمر به الاقتصاد بكافة قطاعاته من مشروعات صغيرة ومتوسطة الحجم ، والتي تحتاج الى تكاتف الجهود ضمن حركة انقاذ وطني حقيقية ، لا ترتب على هذه المشاريع اية تكاليف مادية اضافية لمساعدتها في اجتياز هذا الاختبار الصعب .

 

فقد تضمن البرنامج الذي قدمته شركة ضمان القروض للبنك المركزي ووافق عليه كما هو (نسخه مطابقة للبرامج المعمول بها لدى الشركة سابقا ) شروطا واجراءات تماثل الشروط والاجراءات التي تتعامل بها البنوك مع برامج ضمان القروض في الاوضاع الاعتيادية ، وبتغيير طفيف لا يتجاوز سوى تخفيض سعر عمولة الضمان في ظاهر الامر ، فبعد اعلان البنك المركزي في المرة الاولى قبل اصدار هذه التعليمات بيوم واحد بتوجهه بتخفيض هذه العمولات بنصف نقطة مئوية عن المعتاد ، صدرت التعليمات بشكلها النهائي بجعل سعر عمولة كفالة القرض المتناقص 0.35 % و سعر عمولة كفالة القرض الاسلامي او المستوفى عنه الفائدة او العائد مقدما 0.25 % تستوفى على كامل قيمة القرض وعن كامل المدة المحددة للقرض ومقدما ، وبنسبة ضمان 85% .

 

وللتوضيح هنا ، فأن تصريح محافظ البنك المركزي بمقابلته المتلفزه قد اشار الى ان هذا المبلغ والبالغ 500 مليون دينار (موجود سابقا) ومعمول به قبل هذه الازمة ، ومهما يكن ، فان هذا المبلغ وبهذه الشروط لم تستخدمه البنوك سابقا (قبل الازمة الحالية ) بالاقبال المتوقع.

 

 

وقد لفت الانتباه الكلمة الموجه من قبل المهندس ليث شبيلات الى محافظ البنك المركزي التي سبقت اطلاق مبادرة البنك المركزي بايام ، والتي حمل فيها شبيلات البنك المركزي وقيادته مسؤولية اتخاذ اجراءات سريعة وحازمة لانقاذ هذه المشاريع والحفاظ على استمراريتها بما في ذلك المحافظة على العماله الاردنية التي تعتاش من هذه المشاريع ، فكان تحرك المحافظ محمودا ولكنه غير كافي ولا يناسب التحديات والظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم برمته ، ومن ضمنه الاردن .

 

 

ويأتي تواضع مساهمة البنك المركزي في هذا المجال ، باقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة بسعر فائدة لا يقل عن 2% ، وبموافقته على برنامج ضمان القروض بشكله الاعتيادي دون ان يقدم متطلبات الظرف الاقتصادي الاستثنائي الحالـي – ضمن حركة جادة لانقاذ المشاريع الاقتصادية الانتاجية بمختلف اشكالها – على متطلبات الشركة التي ستضمن هذا البرنامج ، والتي تسعى في المقترح المقدم الى تنمـية ايراداتهـــا – حسب نظرية عائدات الحجم الكبير – لمحفظة 500 مليون دينار وما يترتب عليها من عوائد كبيرة تصب في صالح الشركة حتى ولو تم تخفيض نسب العمولات في ظاهر الامر وفق المقترح ، وسيتحمل صاحب المشروع الصغير هذه الكلف الاضافية ، وهو ما كان واضحا من اظهار البرنامج بصبغة تسويقية اعلامية وليس كبرنامج يعالج واقع الخلل والضرر الواقع على اصحاب المشاريع الصغيرة نتيجة تعطل اعمالها ، وعليه ، فأن ما سيرد ذكره لاحقا يدلل على ان ما قدم ضمن البرنامج لا يرتقي لمواجهة هذه الجائحة ، مبينا ذلك بنقاط مباشرة ، والتي ارجو – في ضوئها – من معالي محافظ البنك المركزي “وهوصاحب الخبرات الطويلة” ان يعيد النظر في الشروط والترتيبات وبما يخدم القطاعات الاقتصادية المتضررة ، وذلك استجابة لتوجيهات مولاي صاحب الجلالة بتقديم الحلول الفعاله والاقتراحات التي تصب في صالح هذه القطاعات ، بعيدا عن الحلول الاعلامية غير المجدية ، فالمطلوب حملة انقاذ شاملة ، وحلول لا يكتنفها الاستحياء ، ترتقي لمستوى مواجهة الخطر المفروض علينا :-

 

 

اولا :- في سبيل مواجهة هذه الظروف الاستثنائية ، قدمت بعض البنوك المركزية في الدول العربية مصادر اموال تقرض لصاحب المشروعات الصغيرة بسعر فائدة (صفر%) ، حتى تمكن هذه المشاريع من مواجهة هذه الازمة بسلام دون تحميلها اي تكاليف اضافية ، وهذا ما يقدمه البنك المركزي في لبنان منذ عدة سنوات وزاد من وتيرتها حاليا ، وما اعلنه البنك المركزي القطري وبنك قطر للتنمية بتاريخ 5/4/2020 (معلن بنبض البلد بتاريخ 5/4/2020 ) . مع قيام البنك المركزي ووزارة المالية بوضع تدابير مناسبة للوقوف الى جانب البنوك التي تساهم فعليا بتقديم هذا التمويل للفئات المستهدفة ، كمزايا واعفاءات مقابل جزء من التكاليف الادارية والعمومية ، كون سعر الفائدة (صفر%).

 

 

 

ثانيا :- تقديم خدمة ضمان مخاطر القروض عند مستوى عموله ( صفر % ) ، وذلك لسببين :

 

السبب الاول : ان تأسيس شركة ضمان القروض قد جاء لتكون ذراعا من اذرعة الدولة في تنفيذ سياساتها الاقتصادية ، فاذا ما وجدت الدولة ان هناك قطاع معين بحاجة الى تحفيز دفعت الدولة بشركة ضمان القروض لتقديم تسهيلات في الكفالات (بشكل غير اعتيادي) لدفع هذا القطاع وتنشيطه ، وضمن نفس المفهوم ، فان على الشركة ان ترتقي بمسؤولياتها في المساهمة بالانقاذ خلال هذا الظرف العصيب الذي تمر به المشاريع الاقتصادية الصغيرة ومتوسطة الحجم في اردننا الغالي .

 

السبب الثاني : ان البنك المركزي قد ضخ خلال الاعوام الثلاث الاخيرة اموالا ضخمة دخلت في موجودات الشركة الاردنية لضمان القروض ، حيث ارتفعت موجودات الشركة من حوالي 24 مليون دينار الى ما يقارب 300 مليون دينار بشكل غير مسبوق بتاريخ عمل الشركة ، هذا بعد ان تم رفع رأس مال الشركة من 10 مليون دينار الى 30 مليون دينار ، وتستثمر موجودات الشركة وراسمالها غالبا على شكل ودائع لدى البنوك ، او في مجال استثمارات بمعدل عائد مقبول ضمن مستوى أمن من المخاطر ، الامر الذي يولد للشركة ايرادات كبيرة تغطي فيها كامل مصاريفها ونفقاتها والتي تأتي في اغلبها على شكل رواتب واجور للادارة التنفيذية والعاملين بالشركة ، بالاضافة لتغطية مخاطر محسوبه يُغطى جزء كبير منها من ايرادات الشركة الاخرى التشغيلية . فللشركة مصادر ايرادات اخرى من نشاطاتها الاعتيادية لقاء برامجها التشغيلية الاخرى ، الامر الذي يؤكد على ان جعل سعر العمولة (صفر %) لهذا البرنامج وفي هذا التوقيت سيعطي قوة دفع لهذه المشروعات الاقتصادية ويقلل عنها التكاليف ويجعل مساهمة البنك المركزي واضحة أسوه بما عملته بعض شركات الضمان المماثلة بالدول العربية ، خاصة وان ذلك لن يعرض الشركة في حال استغنائها عن هذه العمولة حاليا لأي مخاطر تذكر في ضوء الايرادات المذكورة المتاحة لها ، بل وعلى العكس فان باستيفاء العمولة والتي يدفعها المقترض المتضرر حاليا لا تأتي بالمساهمة المناسبة من قبل الدولة و البنك المركزي الاردني .

 

ان تخفيض العمولة كما جاءت في البرنامج لا يخدم سوى تنمية حصيلة ايرادات الشركة التي ستزداد بشكل مضطرد “حسب نظرية عائدات الحجم الكبير” عند قيامها بضمان المحفظة البالغ قيمتها 500 مليون دينار ، فتخفيض النسب المئوية عند حجم العمل الكبير تستخدم كطريقة جاذبة لمزيد من الاعمال وبالتالي لزيادة صافي حصيلة الايرادات المتحققة للشركة ،والذي من غير المعقول والمقبول تطبيقه في هذا الوقت وبهذا الظرف بتاتا .

 

 

 

 

 

ثالثا :- ان شركة (ضمين القطرية) وهي شركة تعمل بطريقة تماثل عمل شركة ضمان القروض الاردنية قد وقفت وقفه صادقه مع القطاعات الاقتصــادية في قطــــر ( وذلك على سبيل المثال ) وتكاتفت مع البنك المركزي القطري وبنك قطر للتنمية لحمل هذه الازمة والخروج بالقطاعات الاقتصادية الى بر الامان ، حيث اعلنت عن كفالتها للمشاريع الاقتصادية بدون اي عمولات اطلاقا وبنسبة ضمان 100 % ايضا ، وذلك بتاريخ 5/4/2020 ( الاعلان بنبض البلد بتاريخ 5/4/2020) ، وهذا هو الدور الحقيقي المطلوب من مثل هذه الشركات في مثل هذه الظروف .

 

 

رابعا :- ان الترتيبات الصادرة عن البنك المركزي وشركة ضمان القروض قد اشترطت الحصول من صاحب المشروع على كفيل مقبول ائتمانيا “انظر الشروط “، وكما لو ان الظرف اعتيادي وغير استثنائي (على الرغم من ان الشركة تقوم مقام الكفيل حسب طبيعة عملها )، فطالما ان البنك سيقوم بدراسته الائتمانية كاملة للتأكد من قدرة المقترض على الاقتراض ، فالاولى التركيز على بحث حجم الضرر الذي لحق بكل مشـــــروع ، وان لا يفرض ( في مرحلة الانقاذ الاقتصادي ) على صاحب المشروع تقديم كفيل ، والذي قد يُفقده فرصة الحصول على التمويل اذا لم يوفر الكفيل المطلوب “فنراود مكاننا دون تقدم” ، لذا فان على شركة الضمان ان تقوم مقام هذا الكفيل في هذا الظرف الاستثنائي وحتى في الظروف الاعتيادية .

 

 

ومن جانب آخر ، وحول ما اصدره البنك المركزي بخصوص تأجيل اقساط القروض ، فقد فُهم من هذا التعميم بانه قد ترك العمل به اختياريا للبنوك العاملة ، حيث لم يتم الاشارة وبصراحة الى ان هذا القرار الزامي ( وكما فعل البنك المركزي المصري بتعميمه باعتبار قراره الزاميا لكافة البنوك ) ، هذا وقد كتب العديد حول عدم التزام البنوك بالتأجيل ، وتأتي الخطورة هنا من مزاجية التطبيق خاصة واننا نتحدث عن محفظة ائتمانية ضخمة في السوق المصرفي الاردني ، الامر الذي سينقل عدد لا باس به الى خانة التعثر اذا لم تراعى ظروفهم الصعبة ، وينطبق ذلك على المنشآت الانتاجية التي تعطلت اعمالها أو ما قد ينجم عن ذلك من مخاطر مصاحبة اذا ما تضررت هذه المنشآت واستغنت عن جزء من موظفيها كما يتوقع ذلك الكثيرون ، وبالتالي انقطاع رواتبهم وعدم مقدرتهم على خدمة ديونهم ، فنحن لا نتحدث عن الغاء الديون بل نتحدث عن تاجيل تواريخ استحقاق الاقساط الى تواريخ اخرى بما يتناسب مع اعادة الرمق وروح التعافي لمختلف المقترضين والقطـــاعات الاقتصادية .

 

حمى الله الوطن تحت ظل الراية الهاشمية الخفاقة دائما باذن الله .

 

مهنـــــد الرشـــــــدان

مساعد المدير العام للعمليات – الشركة الاردنية لضمان القروض /سابقا .