الرئيسية / كتاب الموقع / فلويد وبوعزيزي  

فلويد وبوعزيزي  

 

الدكتور ناصر نايف البزور
عقدٌ مضى على صفعة شرطيةٍ طائشةٍ للشاب محمّد البوعزيزي؛ فكانت حرارة شرارةُ تلك الصفعة شرارةً لثورات اجتاحت المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج… سقطت على إثرها عروشٌ ودكتاتوريات كما حدث في تونس وليبيا واليمن وزُلزلت بعضها زلزالاً شديداً حتّى بلغت القلوب الحناجر كما حدث في مصر وسوريا؛ فدُمّرت بلادٌ وشُرّدت شعوبٌ وأريقت دماءٌ وأُرتكبت مجازر…�� كلّ هذا بسبب “كفّ” أطلقته شرطية رعناء فأيقظ مارد كرامة شعوب مقهورة من سُباتٍ طال لعقودٍ وقرون… ������
وما أشبه اليوم بالأمس؛ فهذا شرطيٌ أخرقٌ مُتعجرفٌ أبيضٌ يُبالغ في استخدام سلطته وإظهار فاشيّته العرقيّة فيطأ بركبته على رقبة شابّ من أصول إفريقية يُدعى جورج فلويد فينتفض مارد كرامة السود في مهد الديمقراطيات العالمية…��
لم تكن ثورات الربيع العربي لذات البوعزيزي ولشخصه؛ فهو شابٌ بسيط فقيرٌ ما كان ليعرف أحدٌ اسمه قطّ لولا تلك الحادثة الأليمة؛ حيث دفعه الشعور بإراقة كرامته ليحرق نفسه قرباناً على مذبح حرّية الشعب الذي التقط الرسالة فلبّى نداء الفطرة الإنسانية لاسترجاع كرامته المُستباحة لردحٍ من الزمن…������
وكذلك الحال بالنسبة لجورج فلويد؛ فهو شابٌ أسودٌ من طبقة مسحوقة كان أكبر همّه الحصول على علبة سجائر بأيّ طريقة كانت؛ فداس ذلك الشرطي الأبيض على رقبته فصعدت روحه إلى باريها؛ فإذا بأبناء عرقه وبجميع مَن يحملون الشعور الإنساني القويم سوداً وبيضاً وصفراً يتضامنون مع فلويد ويخرجون في الشوارع ليُعبّروا عن سخطهم إزاء هذه العنصرية المقيتة…����
وجميعنا نذكر عندما خرج التونسيون في الشوارع، وكيف خرج عليهم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بعنفوانه وكبريائه ووصفهم بشذّاذ الأفاق وبالإرهابيّين؛ وهدّد وأزبد وتوعّد… �� وتحت وطأة إرادة شعبه وثورته العارمة، امتلأ قلبه رُعباً فاندحرَ وولّى دُبره هارباً إلى غير رجعة….����
واليوم نرى سابقةً في تاريخ السياسة الأمريكية؛ فهذا هو الرئيس غير المُتّزن والمتعجرف دونالد ترمب يُكرّر نفس السيناريو التونسي ويصف المتظاهرين بالإرهابيّين ويُهدّدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور وبكلابه الشرسة وبأسلحته الفتّاكة بأسلوبٍ لا يستخدمه سوى رجال العصابات:
“(They) could have been “greeted” with “vicious dogs” and “ominous weapons” if they had breached the fence…” ��
فيزداد إصرار المتظاهرين والمُحتجّين وتعلو أصوات هدير غضبهم… فيضطّر الحرس الجمهوري لوضع رئيسهم في الملجأ خشية اقتحام المتظاهرين للبيت الأبيض؛ وإن كان دونالد ترمب قد خرج يوم أمس ووقف أمام إحدى الكنائس لدقائق، فهذا لا ينفي حالة الرعب الشديد الذي يغمره بل يُثبتها؛ وهذا أمرٌ معروف في عِلم النفس… وقد فعله القذّافي إران سقوطه…��
فمشاهد التمثيل واصطناع البطولات الكاذبة التي كان يقوم بها دونالد ترمب على حلبات المُصارعة “الرسلومينيا” أمام المصارعين السود والبيض لن تُجدي نفعاً أمام كرامة شريحة واسعة من شعبه من السود والبيض انتفضوا ليضعوا نعالهم فوق رأس كلّ مَن يحاول أن يطأ على طرف شسع كرامتهم… ��
فكرامة الشعوب خطٌّ أحمر… وكرامة الشعوب قد تنام وقد تذهب في غيبوبة وقد تغيب في رحلة بعيدة ولكنّها لا تموت☝☝ وثورات “الربيع الإنساني” ستبقى وستدور ما دارَ ظلمٌ بمكان وما تجبّرَ بشعبٍ صاحبُ سلطان☝☝☝وإنّ غداً لناظره قريب ������ والله أعلم وأحكم