الرئيسية / كتاب الموقع /  أمريكا في اتفاق المصالحة السعودي- الإيراني

 أمريكا في اتفاق المصالحة السعودي- الإيراني

عمر الرداد

ربما لا نبالغ القول إن الولايات المتحدة كانت الغائب الحاضر في اتفاق المصالحة الذي أنجزته الرياض وطهران وتم التوقيع عليه بوساطة صينية في العاشر من مارس الماضي، فمن بكين كانت عيون الرياض وطهران ومعهما بكين تخترق أمواج المحيط الهادي الهادرة لتستقر في رحلة طويلة بواشنطن، فالرياض تريد إرسال رسالة لواشنطن تعلن انها لم تعد تابعة لاحد، وتبني مقاربات استراتيجية جديدة، جوهرها بناء شراكات على قدم المساواة مع الأطراف الإقليمية والدولية، فيما بكين تقول لواشنطن “انجزنا اتفاق المصالحة بين الخصمين: الرياض وطهران” وهو ما يثبت ان العالم لم يعد يحتمل سياسة القطب الواحد، وعلى واشنطن ان تدرك ذلك، وان تعدد الأقطاب من وجهة نظر بكين، يمكن ان يترجم بإنجاز اتفاقات سلام وليس بإثارة الحروب، اما طهران ،فبالإضافة الى الأسباب الداخلية التي دفعتها لإنجاز الاتفاق، فعيناها مفتوحتان على واشنطن ، وترى في الاتفاق انها يمكن ان تستثمر بوابة الرياض بانفتاح على واشنطن، ربما يكون مكملا لبوابات” مسقط، الدوحة وبغداد” مع الأخذ بعين الاعتبار ثقل الرياض لدى واشنطن مقارنة بالعواصم الأخرى.

أمريكا من جانبها تدرك كل تلك الرسائل من قبل كافة الأطراف، ورغم العبارات الدبلوماسية من قبل واشنطن التي تؤكد عمق العلاقات الاستراتيجية مع الرياض، ووصف الاتفاق بانه ” إيجابي لوقف تصعيد التوترات بالمنطقة”، مقابل تطمينات من الرياض بانه” لا يعني حل كل الخلافات بين الطرفين” الا ان واشنطن لا تخفي هواجسها من الاتفاق، لا سيما وأنه تم بوساطة بكين، ويعد ، وفقا للمفاهيم الامريكية ” التقليدية” ضربا لعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، واختراقا صينيا، يتناقض مع ما تعهد به الرئيس بايدن ” خلال زيارته للسعودية في 15/ 7/ 2022″ “لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.

الهواجس الامريكية تم التعبير بالاتصال الهاتفي” الأسبوع الماضي” بين مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سولفيان مع وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في اعقاب زيارة اخرى لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام برنز، إلى السعودية، ورغم العبارات الدبلوماسية حول تكثيف اتصالات واشنطن مع الرياض، الا انها تؤكد على الأقل أن واشنطن تتابع  وبحالة من عدم اليقين تطورات مصالحة الرياض مع طهران، لا سيما بعد ” تصعيد عسكري إيراني في المنطقة ،وخاصة ضد القواعد العسكرية الامريكية في سوريا، وارسال الغواصة الامريكية النووية “يو إس إس فلوريدا،وهي غواصة استراتيجية قادرة على حمل ما يصل إلى 154 صاروخ من طراز توماهوك” الى منطقة الخليج، بالتزامن مع قرارت اتخذتها الرياض من بينها : الانضمام  إلى «منظّمة شنغهاي للتعاون»، والتي تُعدّ اتحاداً سياسيّاً وأمنيّاً يضمّ :الصين ،روسيا ،الهند وإيران، ولا تخفي هذه المنظمة هدفها بتحقيق موازنة مع النفوذ الغربي في المنطقة، فيما اتخذت الرياض قرارات أخرى بخصوص تخفيض الإنتاج النفطي في اطار ” أوبك بلس” ورغم تبرير الرياض ان القرار جاء بمرجعية الحفاظ على أسعار النفط العالمية، وفق مفاهيم العرض والطلب، الا ان واشنطن تعتبره قرارا يصب بمصلحة روسيا التي تخضع لعقوبات تشمل انتاجها النفطي بعد غزو موسكو لأوكرانيا، فيما تقود الرياض جهودا عربية لإعادة “النظام السوري” الى الجامعة العربية، تم تتويجها باستقبال وزير الخارجية السوري في مدينة جدة السعودية، ” وهو الموقف الذي تتحفظ عليه واشنطن وتطالب بمحاكمة الرئيس السوري بتهم جرائم حرب وابادة جماعية” في الوقت الذي كان فيه وفد إيراني يبحث في الرياض استكمال افتتاح السفارة الايرانية في طهران .

ورغم ما يمكن وصفه بتصعيد بين الرياض وواشنطن، وفقا لما تقدم، إلا انه لا يمكن القول إن واشنطن غير راضية تماما عن المصالحة مع طهران، اذ تسود مقاربات واسعة في المنطقة تتضمن تقديرات بأن الرياض نسقت كل خطواتها بخصوص هذه المصالحة مع واشنطن، وان الرهانات بنجاح هذه المصالحة ستحقق لواشنطن أهدافها في الاتفاق النووي عبر الرياض، وهو ما قد يتحول الى خيار مفضل لدى طهران.

لقد كان لافتا للنظر انه وعلى هامش قضية “تسريب الوثائق الامريكية” انها لا تشمل أدوار طهران بالوقوف الى جانب روسيا، وتزويدها بالطائرات المسيرة، ولا الشكوك الامريكية بموقف الرياض وعلاقاتها مع موسكو، خاصة ما يتعلق بإنتاج النفط، في الوقت الذي تشكل فيه مواقف الرياض وطهران تجاه موسكو موضوعا لدى الإدارة الامريكية، تعبر عنه مضامين التصريحات المتكررة الصادرة عن مؤسسات القرار في واشنطن، فهل تريد واشنطن إعطاء فرصة للمصالحة السعودية – الايرانية، رغم شكوكها المعلنة بمالاتها، وخاصة البعد “الصيني” فيها، وهل ينسجم موقف واشنطن مع استراتيجيتها المتضمنة انها “لا تريد ان تكون شرطي العالم”، وتراقب التشكلات الجديدة للنظام الدولي الجديد، وظهور تكتلات جديدة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وفي أمريكا اللاتينية، بأدوار فاعلة لحلفاء واشنطن، ينوبون عن أدوارها السابقة؟.