الرئيسية / كتاب الموقع / أمراء الحرب، الأمزجة السقيمة

أمراء الحرب، الأمزجة السقيمة

د. نضال القطامين

بينما تتقدم دول بكاسحات اقتصادية، بينما تُخبأ البنادق للدفاع عن الحدود، بينما تُغدق الأنظمة على شعوبها رفاهية وصحة وتعليم، بينما ذلك، ما تزال أنظمة القمع التي لا شرعية لها سوى ظهور الدبابات، تمزق الناس والعمارات في أسوأ نموذج للهوان العربي.

بئست الألقاب والرتب وخابت، تعساً للجنود الذين يقامرون في البلاد وفي التنمية، وخسة وحقارة لمن حمل السلاح ليقتل الناس دون جريرة.

ولكأن شبحاً خفيّا يقتص من الناس في بلاد الثورات وأرض الربيع. لقد وضعهم أهدافا لجنود امتلكوا المدافع فتباروا في من يقتل أكثر، وفي من يعد الجثث، لكنهم إنسانيون جداَ إذ يتركوا للهلال الأحمر مهمة تنظيف الشوارع من جثثهم.

إنهم محكومون بطغم فاسدة حقيرة، تستمرىء قتلهم وإذلالهم، لا صوت في الخرطوم سوى للرصاص، أغلقت فوهات المدافع أفواه المثقفين، وأغلقت معها كل أمل في أن يعيش الناس مثلما يعيش كل البشر.

مخاض العملية السياسية في السودان لم يسفر للآن سوى مزيد من الإختلاف ومزيد من الدم. لم تُمنح القوى الوطنية للتدخل في إنضاج الحكم بعد فترة البشير، و لا يبدو أن ذلك سيحدث في ضوء الممارسات التي تحتكم للشخصنة وتحرك القطعات العسكرية وفق أمزجة سقيمة.

هذا وليس الحال في بقية بلاد العرب مستقرا وهادئا. ما يزال القلق ينتاب شوارع دمشق وبغداد وتونس وليبيا واليمن وغيرها، قلقاً عارما تنازل الناس لإبعاده ولم يعد لهم سوى طلب الخبز والمأوى، بعد أن كانت الديمقراطية تعتلي لافتاتهم.

وعود زائفة، وغرس خبيث، والعالم الذي فتحنا له أبواب البلاد على مصراعيها، يضحك مستمتعا باقتتالنا، لا يبالي بالقتل ولا بالقلق، شعوب محرومة، رأت في تغيير الأنظمة سبيلا للخلاص، غير أن دروبهم إلى الميادين، تلك التي ملأها الطغاة في امتداد العالم بالفخاخ، خيّرتهم بين صبر على أسوأ مما كان، أو اشتعال يافطاتهم بنيران الحروب والإقتتال.

ستنهض الخرطوم، وسيعود النشيد فيها:
خرجوا وما نزع الرصاصُ قلوبهم..
بل زاد جمرَ مُضِيِّهِم فتسعَّروا..

سالوا دماءً واستفاضوا أنفُسًا..
وقَضَوا حياتهُمُ ولم يتقهقروا..

ويا لجمالك يا محمد عبد الحي السوداني الجميل وأنت تنشد:
افتحوا أبواب المدينة بدوي أنتَ؟.. لا من بلاد الزَنج؟ ..لا أنا منكم…تائه عاد يغنِي بلسان ويصلَي بلسان من بحار نائيات..
لم تنر في صمتها الأخضر أحلام المواني..!