الرئيسية / من هنا و هناك / “جرش”.. لا طموحات كبيرة لدى المهرجان “الكبير”

“جرش”.. لا طموحات كبيرة لدى المهرجان “الكبير”

الرمثانت
اجتاحت وسائلَ التواصل الاجتماعي، في صيف العام الماضي، موجة واسعة من الانتقادات والسخرية من ملصقات “مهرجان جرش للثقافة والفنون”، التي ظهرت بتصميم رديء مبني بمفردات غير متناسقة وصور منخفضة الجودة، ما استدعى تعديلها بعد أيام لم تُقبل خلالها كلّ ما سوقّته الإدارة من “تبريرات”.

لم تكن تلك الثغرة الوحيدة في تنظيم الدورة السابقة لأكبر مهرجان أردني (تأسّس عام 1981)؛ إذ انسحب عددٌ من المغنّين المشاركين، بسبب شكواهم من سوء التنظيم والإدارة، كما تعالت اعتراضات أُخرى تتعلّق بضعف الترويج الإعلامي، وعدم إشراك المجتمع المحلّي على غرار الأعوام الماضية.

لكن الأهمّ من ذلك، أنّ التظاهرة التي يُرصَد لها مليون دينار سنوياً (ما يعادل مليون ونصف دولار) وتجتذب رعايات ودعم عدد من الشركات الخاصّة تصل إلى نصف مليون أُخرى، سجّلت عجزاً مالياً لأوّل مرة منذ إنشاء المهرجان تجاوز عشرات الآلاف، إلّا أنّ ذلك لم يستدع فتح تحقيق في تلك الشبهات ومحاسبة المسؤولين عن أيّ تقصيرٍ أو فساد، وجرى الاكتفاء بإعفاء المدير التنفيذي مازن قعوار وتعيين أيمن سماوي بديلاً عنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

سجّلت الدورة الماضية عجزاً مالياً لأوّل مرّة منذ 1981

طُويت صفحة إخفاقات الدورة السابقة، وفُوّتت فرصة لمناقشة خلل أساسي قام عليه “جرش” وغيره من مهرجانات الصيف الأردنية والعربية عموماً، والتي أُنشئت أساساً من أجل تقديم مغنّين يحظون بمتابعة جماهيرية، بغضّ النظر عن مستوى ما يقدّمونه، ثم تُستوفى برمجتها بـ”زينة” من المسرح والموسيقى والشعر وأُخرى موجّهة للطفل، يجري إعدادها غالباً على عجلةٍ ودونما تخطيط.

غاية إدارة المهرجان الجديدة أن “تعيد الأمور إلى نصابها”، إذا ما توخيّنا الدقّة في وصف الدورة السابعة والثلاثين التي تنطلق في السادس والعشرين من تمّوز/ يوليو الجاري، وتتواصل حتى الثامن من آب/ أغسطس 2023، إذ لا تغيير منتظراً على رؤية المهرجان أو طبيعة فعالياته، إنما المطلوب هو عدم تكرار أخطاء الدورة السابقة؛ هدف محدَّد وواضح يسعى إلى تحقيقه سماوي الذي تبنّى نهجاً “واقعياً” في جميع المواقع التي شغلها، مكتفياً بـ”نظافة اليد” التي عُرف بها.

لا جديد يُذكر في ما يخصّ برنامج “جرش” الثقافي لهذا العام، والذي أُسند وضعه منذ سنوات إلى لجنة تضمّ في عضويتها ممثلّين عن “رابطة الكتّاب” و”اتحاد الكتّاب” و”رابطة الفنّانين التشكيليّين”، ومن إدارة المهرجان، ولم يعد مفاجئاً أيضاً علوّ اعتراضات على اختيارات اللجنة للشعراء الأردنيين المشاركين خاصّةً، فهي اختيارات لا تركن إلى معايير واضحة، لكن الاعتراض عليها مردّه – بالعادة – رغبة البعض في مشاركة “أبدية” في جميع دورات المهرجان.

يبدو لافتاً اختيار الأدب الشعبي موضوعاً للمؤتمر النقدي

يتضمّن البرنامج، وفق المنظّمين، قرابة 430 فعالية ثقافية وفنّية فنّية وثقافية؛ من بينها خمسون عرضاً مسرحياً للكبار والأطفال، تُقدَّم على “مسرح الصوت والضوء” في المدينة الأثرية، إلى جانب “المركز الثقافي الملكي” في عمّان و”مسرح أسامة المشيني” في جبل اللويبدة.

ويبدو لافتاً اختيار الأدب الشعبي في الأردن موضوعاً للمؤتمر النقدي الذي تنظّمه اللجنة منذ أربعة أعوام (اختارت الشعر ثم الرواية ثمّ القصة موضوعاً للمؤتمرات السابقة)، حيث تُقدَّم أوراق في أربع جلسات تعاين القصيدة والأغنية والحكاية الشعبية، وتجارب شعراء أردنيين يكتبون باللهجة الدارجة، لكن تعامُل المؤسَّسة الرسمية مع التراث عموماً يبقى موضع شكّ لسببٍ أساسي يتّصل برؤية شائهة لديها، تهدف إلى توظيفه سياسياً وتقديمه بشكل كرنفالي سطحي وركيك، عوضاً عن إخضاعه للدرس والبحث المعرفي.

وتوزّع في ختام الفعاليات الثقافية “جائزة سليمان المشيني لأفضل ديوان شعر”، والتي تبلغ ألفي دينار (ثلاثة آلاف دولار تقريباً)، علماً بأن هذه الجائزة، التي ترعاها “رابطة الكتّاب” ويموّلها المهرجان، يتبدّل اسمُها كلّما رحَل شاعر أردني؛ إذ اقترنت باسم جريس سماوي (1956 – 2021) في الدورة الفائتة، بينما تحمل العام الحالي اسم الشاعر الأردني سليمان المشيني (1928 – 2018) الذي قدّم محاولاتٍ محدودة في تجديد عمود الشعر العربي.

يتضمّن البرنامج انعقاد سمبوزيوم بمشاركة أربعين فنّاناً

يتضمّن البرنامج أيضاً انعقاد سمبوزيوم بمشاركة أربعين فنّاناً من الأردن والعالم العربي، سيتم نشْر أسمائهم وتفاصيل مشاركتهم لاحقاً، لكنّ الأسماء المثبتة حتى اللحظة تشير إلى جدّية في انتقائها، إلى جانب اختيار مصر ضيف شرف الدورة الحالية؛ التقليد الذي يوضع هذا العام للمرّة الأُولى، مع الإشارة إلى تواضع المشاركة المصرية، بحسب ما علمته “العربي الجديد”.

أخيراً، يحتفل “مهرجان جرش للثقافة والفنون” هذا العام، بمئوية مدرسة السلط، التي شُيّدت عام 1918، وبدأ التدريس فيها في السنة اللاحقة، لكنّ المنظّمين اختاروا عام 1923 نقطةً مرجعيةً لأنّه شهد افتتاح المدرسة من قبل الملك عبد الله الأول بن الحسين بعد انتقالها من مبنى مستأجر إلى مقرّ دائمٍ أنشأته “نظارة المعارف” التي سيتغيّر اسمها أكثر من مرّة قبل أن تتسمّى بـ”وزارة التربية والتعليم”.

لا يمكن التنبؤ بالطريقة التي ستحتفل بها السلطة بمئوية مدرسة خرجت منها مظاهرات طلّابية قادت الجموع المحتجّة ضدّ توقيع “المعاهدة الأردنية البريطانية” سنة 1928، وحاولت الجهات الرسمية منعها آنذاك، والمظاهرات المؤيّدة للثورة الفلسطينية عام 1936 كذلك، وصولاً إلى احتجاجات الحركة المعارضة بعد الاستقلال، والتي ضمّت أسماء عديدة تخرّجت من “مدرسة السلط”؛ من أمثال: يعقوب زيادين، وشفيق ارشيدات، وعيسى مدانات، ومنيف الرزاز، ومحمد باجس المجالي، ونبيه ارشيدات، وجودت المحيسن…

العربي الجديد