الرئيسية / كتاب الموقع / هل فشلت التجربة؟

هل فشلت التجربة؟

عبد المنعم عاكف الزعبي

شهد العام 2022 قفزة كبيرة في حجم الإنفاق الرأسمالي، بنمو يقارب 400 مليون دينار أو 35% مقارنة بالعام 2021.

سبق ذلك في خطاب موازنة العام 2022 أن أشار وزير المالية إلى ارتفاع غير مسبوق في الموازنة الرأسمالية، لتصل إلى 1.5 مليار دينار، في تأكيد على جدية جهود الحكومة لتحفيز النمو الاقتصادي.

إلا أن انعكاس هذا الارتفاع على النمو جاء مخيبا للآمال.

فمقابل هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق الرأسمالي، وما تبعها من نمو في العجز، ارتفع معدل النمو الاقتصادي بشكل طفيف من 2.2% إلى 2.5% فقط.

قد يذهب البعض إلى الاستنتاج بأن “مضاعف النمو” الخاص بالإنفاق الرأسمالي في الأردن منخفض، وبأن من غير المجدي ماليا واقتصاديا التوسع في هذا الإنفاق، ذلك أن ما يتم إنفاقه على المشاريع الرأسمالية يذهب كأجور ورواتب، أو يتسرب لخارج الاقتصاد نتيجة المواد المستوردة والعمالة الأجنبية في قطاع البناء والإنشاءات.

فهل فشلت تجربة رفع الإنفاق الرأسمالي لتحفيز النمو؟..

قبل الوصول إلى مثل هذا الاستنتاج، لا بد لنا من فهم حيثيات رفع الإنفاق الرأسمالي عام 2022.

فالحسابات الختامية لوزارة المالية تفيد بأن الزيادة التي طرأت على النفقات الرأسمالية في 2022 لم تكن نتيجة المزيد من المشاريع والإنشاءات. لا بل إن تلك الأخيرة انخفضت مقارنة بالعام 2021.

بالمقابل، جاء الارتفاع نتيجة الإدراج غير المتوقع لبند دعم المحروقات بقيمة 350 مليون دينار كإنفاق رأسمالي، وإطفاء خسائر الملكية الأردنية ب 70 مليون دينار، ودعم شبكة الأمان الاجتماعي ب 40 مليون دينار.

باستثناء هذه البنود، التي لم تكن واردة في الموازنة، والتي لا تحقق أي قيمة اقتصادية مضافة، يكون الإنفاق الرأسمالي قد انخفض عام 2022 مقارنة بالعام 2021 بحوالي 100 مليون دينار.

إذا لا يمكن الحكم بعدم جدوى رفع الإنفاق الرأسمالي من واقع تجربة عام 2022، والتي انحرف خلالها الإنفاق الفعلي عن بنود الموازنة نتيجة ظروف طارئة وغير متوقعة.

ولو أن الارتفاع المرصود في الإنفاق الرأسمالي ذهب إلى مكانه المحدد في الموازنة، على مشاريع الشراكة والإنشاءات والصحة والتعليم، لكان انعكاس الإنفاق على النمو أكبر وزنا وأهم تأثيرا.

هذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أننا أمام فرصة حقيقية لتعزيز الإنفاق الرأسمالي هذا العام، فانحسار فاتورة دعم المحروقات، وانتهاء النفقات الطارئة لجائحة كورونا، يعني توفر حوالي 400 مليون دينار لزيادة نفقات البناء والإنشاءات والصيانة والتعليم والصحة في 2023.

لا يمكن الجزم بأن مثل هذه الزيادة ستحقق أثرا مباشرا وسريعا على النمو الاقتصادي.

ولكن الإنفاق الرأسمالي يدخل في باب تراكم رأس المال المعرفي والاجتماعي والبشري، ولا يكون تقييم أثره على المدى القصير، أو بالحساب الرياضي المباشر، إنما على المدى الطويل، وعبر قياس الكلف البديلة للسيناريوهات المختلفة.

فلو افترصنا أن التوسع في مشاريع الصحة والتعليم، أو حتى دعم المحروقات لمرة واحدة، جنبنا اضطرابات سياسية واسعة وحالة عدم يقين قد تقود الاقتصاد نحو الانكماش، يصبح أثر هذه الخطوة مكافئا لنمو اقتصادي ب 3%-4% أو ربما أكثر من ذلك.

طبعا ذلك لا يعني عدم العمل على تعزيز مساهمة الإنفاق الرأسمالي في النمو، عبر زيادة القيمة المحلية المضافة للموازنة الرأسمالية، وبالتالي زيادة “مضاعف النمو” للنفقات الرأسمالية.

فهذا ضروري وممكن عبر زيادة الاعتماد على العمالة المحلية والإنتاج الوطني لإنجاز المشاريع، وتحديد أولويات الإنفاق بشكل دقيق، والاستثمار في تطوير قاعدة البيانات الخاصة بشبكة الأمان الاجتماعي، وضمان وصول الدعم للفئات المستحقة بالفعالية والمرونة الممكنة.

الحكومة خططت لتحفيز النمو عبر زيادة الإنفاق الرأسمالي في 2022، وهذا يحسب لها بكل تأكيد، ولكن الظروف الطارئة أجبرتها على استخدام الزيادة المرصودة في غير أوجهها المحددة في الموازنة.

حال الحكومة في هذا المثال حال المواطن الأردني البسيط، تخطيط وتعب وشقاء، يتبخر في مواجهة أول أزمة غير متوقعة، ليعود العمل وتستمر المحاولة للحفاظ على مستوى الجاهزية للاستفادة من الفرص والاختراقات المستقبلية..

نطلب من الحكومة الاستمرار في التوسع الرأسمالي للإنفاق، على أن يرافق ذلك تحديد أفضل للأولويات، وتعزيز للقيمة المحلية المضافة في إنجاز المشاريع.