الرئيسية / كتاب الموقع / هيكلة الملكية الأردنية

هيكلة الملكية الأردنية

عبد المنعم عاكف الزعبي

أكثر من 400 مليون دينار كلفة رفع رأسمال الملكية الأردنية على خزينة الدولة منذ عام 2015.

هذا العام، جاء الجزء الأخير من عملية رفع رأس المال بقيمة 240 مليون دينار، وبأسلوب مبتكر من خارج الصندوق.

فبدلا من الاعتماد بشكل كلي على أموال الخزينة والدين العام، تم رفع رأسمال الملكية على شقين. الأول نقدي بقيمة 70 مليون دينار من موازنة الإنفاق الرأسمالي للحكومة. والثاني عيني بقيمة 170 مليون، عبر منح الملكية الأردنية 90% من شركة المطارات الأردنية.

أي أن الملكية الأردنية استحوذت دون مقابل على 90% من شركة حكومية رأسمالها 20 مليون دينار وقيمتها التقديرية 190 مليون دينار.

نتيجة الاستحواذ، ارتفع رأسمال الملكية بقيمة أسهم شركة المطارات الأردنية، أو ما يعادل 170 مليون دينار، دون أن تحتاج الحكومة لاستدانة دينار واحد، أو أن يتم ضخ دينار واحد نقدا في الشركة.

الإيجابي في هذه الخطوة تجنيب الدين العام الحكومي 170 مليون دينار إضافية مع فوائدها لسنوات وسنوات.

الأهم من ذلك أن الشركة المستحوذ عليها مرتبطة بقطاع الطيران، ما يعني وجود مبررات موضوعية لعملية الاستحواذ،  وعدم اختزال المسألة بتملك أي شركة حكومية عشوائيا لرفع رأس المال.

الاستحواذ يعالج أيضا شكوى مستمرة لإدارات الملكية المتعاقبة، مفادها أن عمليات الخصخصة السابقة لشركات الخدمات المساندة أفقرت الناقل الوطني وتركته دون روافد بديلة للإيرادات، رغم احتدام المنافسة الإقليمية والعالمية.

يدعم هذا الطرح وجود تشابه ملحوظ بين اختصاصات الشركات المساندة التي تم خصخصتها، وأهداف شركة المطارات الأردنية، من خدمات الركاب والمناولة، وأرضيات المطار، والصيانة، والشحن الجوي، وغيرها.

بذلك، يمكن النظر إلى تملك شركة المطارات الأردنية على أنه تصفير لعداد الخصخصة، والأثر السلبي الذي تدعيه الملكية الأردنية جراء موجة التخاصية بعد العام 2000.

ومع التأكيد على رجوح كفة الإيجابيات لخطوة الاستحواذ، يبقى من الضرورى مراعاة عدد من الاعتبارات.

وأهم ما يجب ألا يغيب عن الحسبان أن اللجوء إلى رأس المال العيني، وتجنب الاستدانة، لا يعني عدم وجود كلفة مالية واقتصادية على الحكومة.

فالاستحواذ يعني بأن أرباح الشركة الأردنية للمطارات ستؤول إلى الملكية الأردنية بدلا من الخزينة.

صحيح أن هذه الأرباح بلغت بالمعدل مليون دينار أردني فقط خلال الأعوام الماضية. ولكن تقييم الشركة بلغ 190 مليون دينار، أي أن الشركة إما تمتلك أصولا ضخمة جزء منها ال 8 آلاف دونم حول مطار الملكة علياء الدولي، أو أنها ستستفيد من عقود تطوير وإدارة احتكارية، وبما يتسق مع أهداف واختصاصات الشركة.

فإذا حققت الشركة أرباحا تشغيلية كبيرة مستقبلا، تكون الفرصة الضائعة على الخزينة باهضة، خصوصا مع بقاء خسائر الملكية الأردنية المتراكمة قرب مستوى 200 مليون دينار، مما سيستنزف الأرباح المستقبلية قبل تشكيل أية فوائض يمكن للشركة تحويلها للخزينة.

وإذا لم تحقق الشركة الأردنية للمطارات مثل هذه الأرباح، ربما يتم الاضطرار لبيع جزء أراضيها وأصولها لإطفاء خسائر الملكية، وسداد التزاماتها المالية للدائنين والموردين. وفي هذه الحالة نكون أمام موجة خصخصة غير مباشرة، لنعود إلى ذات الحلقة المفرغة من انخفاض الأرباح، وما يتبعها من خصخصة،  ومن ثم ارتفاع الخسائر والديون.

جميع المعطيات تؤكد أن الحل أولا وأخيرا بيد إدارة الملكية الأردنية ولا أحد غيرها. فإذا لم يرافق هيكلة رأس المال هيكلة لنموذج عمل الملكية وآلية إدارتها، سيستمر النزيف المالي، وليس من المتوقع حينها أن توافق الحكومة على رفع رأسمال الشركة مجددا، عينا أو نقدا.

سمعنا من إدارة الملكية الأردنية في أكثر من مناسبة ما تواجهه الشركة من تحديات تتجاوز خصخصة خدماتها المساندة، مثل ارتفاع كلفة الوقود، وتبعات جائحة كورونا، والمنافسة الكبيرة في قطاع النقل الجوي.

غالبا أن جميع هذه التحديات واقعية ومحقة، ولكنها ذاتها مرآة للمحددات الاقتصادية والمالية للأردن. مراعاة هذه المحددات يتطلب من الملكية التفكير بنموذج تشغيلي وتنافسي يحاكي الواقع، وإن كان ذلك على حساب حجم الأسطول والوجهات ونوعية الرحلات المستهدفة.

نتمنى للملكية الأردنية بعراقتها ورمزيتها كل النجاح والتوفيق. وكما تمكنت الشركة مع الحكومة من توفير حلول مالية إبداعية لرفع رأسمالها.. فهي حكما قادرة على تقديم المزيد!

ليس هذا فقط. فخطوة الملكية الأخيرة قدمت نموذجا يمكن أن تستفيد منه شركة الكهرباء الوطنية لمعالجة مديونيتها وتخفيض نسبة الدين العام.