الرئيسية / العالم / دكتور في جامعة كنساس الأمريكية يروي ما حدث له خلال الصلاة عند اعتناقه الاسلام

دكتور في جامعة كنساس الأمريكية يروي ما حدث له خلال الصلاة عند اعتناقه الاسلام

الرمثانت

روى البرفيسور جيفري لانج استاذ الرياضيات بجامعة كنساس الامريكية والحاصل على الدكتوراه في الفلسفه من جامعة باردو، قصته مع الصلاة عند اعتناقه الاسلام.

وقال البرفيسور جيفري لانج:” في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام قدَّم إليّ إمام المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة.. غير أني فوجئت بما رأيته من قلق الطلاب المسلمين، فقد ألحوا على بعبارات مثل: “خذ راحتك”، “لا تضغط على نفسك كثيرا”، “من الأفضل أن تأخذ وقتك”، “ببطء، شيئا فشيئا”.

وتساءلت في نفسي: هل الصلاة صعبة إلى هذا الحد؟ لكني تجاهلت نصائح الطلاب، فقررت أن أبدأ فورا بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها.

وفي تلك الليلة أمضيت وقتًا طويلاً جالسًا على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها، والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة، وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي وبمعانيها باللغة الإنجليزية، وتفحصت الكتيب ساعات عدة قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى، وكان الوقت قد قارب منتصف الليل، لذلك قررت أن أصلى صلاة العشاء، ودخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحا على الصفحة التي تشرح الوضوء، وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة بتأنٍّ ودقةٍ مثل طاهٍ يجرب وصفة لأول مرة فى المطبخ، وعندما انتهيت من الوضوء أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي، إذ تقول تعليمات الكتيب بأنه من المستحب ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء، ووقفت في منتصف الغرفة متوجها إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة.

نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي، ثم توجهت إلى الأمام، واعتدلت في وقفتي، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم رفعت يدي براحتين مفتوحتين، ملامسًا شحمتي الأذنين بإبهامي، ثم بعد ذلك قلت بصوت خافت: “الله أكبر”.

كنت آمل ألا يسمعنى أحد، فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال، إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي، وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة، وتساءلت: ماذا لو رآني أحد الجيران؟ تركت ما كنت فيه، وتوجهت إلى النافذة، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد. وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية أحسست بالارتياح، فأغلقت الستائر وعدت إلى منتصف الغرفة.

وتابع البرفيسور جيفري لانج في رواية قصته، قائلًا:”وومرة أخرى توجهت إلى القبلة، واعتدلت في وقفتي، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني، ثم همست: “الله أكبر”. وبصوت خافت لا يكاد يسمع قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئا لو سمع تلاوتي تلك الليلة، ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت، وانحنيت راكعا حتى صار ظهري متعامدا مع ساقي واضعًا كفي على ركبتي. وشعرت بالإحراج، إذ لم أنحن لأحد في حياتي. ولذلك فقد سررت لأننى وحدي في الغرفة. وبينما كنت لا أزال راكعا كررت عبارة “سبحان ربى العظيم” عدة مرات. ثم اعتدلت واقفًا وأنا أقرأ “سمع الله لمن حمده”، ثم “ربنا ولك الحمد”.

أحسست بقلبى يخفق بشدة، وتزايد انفعالي عندما كبَّرت مرة أخرى بخضوع، فقد حان وقت السجود، وتجمدت في مكاني بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي حيث كان على أن أَهْوِى إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض، لم أستطع أن أفعل ذلك، لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض، شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده.

وزاد: “لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء، لقد أحسست بكثير من العار والخزي، وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسى مغفلاً أمامهم، وتخيلت كم سأكون مثيرا للشفقة والسخرية بينهم، وكدت أسمعهم يقولون: “مسكين جفري! فقد أصابه العرب بمسٍّ في سان فرانسيسكو. أليس كذلك؟”. وأخذت أدعو: “أرجوك، أرجوك، أَعِنِّي على هذا”. أخذت نفسا عميقا، وأرغمت نفسي على النزول.

الآن صرت على أربعتي، ثم ترددت لحظات قليلة، وبعد ذلك ضغطت وجهي على السجادة، أفرغت ذهني من كل الأفكار، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة “سبحان ربي الأعلى”. “الله أكبر”: قلتها ورفعت من السجود جالسا على عقبي، وأبقيت ذهني فارغًا رافضًا السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي. “الله أكبر”، ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى.

وبينما كان أنفي يلامس الأرض رحت أكرر عبارة “سبحان ربي الأعلى” بصورة آلية، فقد كنت مصمما على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك. “الله أكبر”، وانتصبت واقفا فيما قلت لنفسي: لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي. وصارعتُ عواطفي وكبريائي فيما تبقى لي من الصلاة. لكن الأمر صار أهون في كل شوط حتى إنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة.

ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير، وأخيرا سلمت عن يميني وشمالي، وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه بقيت جالسا على الأرض، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها، لقد أحسست بالإحراج لأننى عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها، ودعوت برأس منخفض خجلاً: “اغفر لي تكبري وغبائي، فقد أتيتُ من مكان بعيد، ولا يزال أمامى سبيل طويل لأقطعه”.

وفي تلك اللحظة شعرت بشيء لم أجربه من قبل، ولذلك يصعب على وصفه بالكلمات، فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى إنني أذكر أنني كنت أرتعش، غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي، فقد أثّرَتْ في عواطفي بطريقة غريبة أيضا، لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة، وأخذت تغلفني وتتغلغل في، ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب، فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي، ووجدت نفسي أنتحب بشدة.

وكلما ازداد بكائي ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني، ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب رغم أنه يجدر بي ذلك ولا بدافع من الخزي أو السرور، لقد بدا كأن سدًّا قد انفتح مُطْلِقًا عِنَان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلى.

وبينما أنا أكتب هذه السطور لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضا.

ظللت لبعض الوقت جالسًا على ركبتي، منحنيًا إلى الأرض، منتحبًا ورأسى بين كَفَّي، وعندما توقفت عن البكاء أخيرا كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق، فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لى حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها. وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها.

أما أهم ما أدركتُه في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله وإلى الصلاة، وقبل أن أقوم من مكاني دعوت بهذا الدعاء الأخير: اللهم، إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى فأمتني قبل ذلك، خلصني من هذه الحياة، ومن الصعب جدا أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوما واحدا آخر وأنا أنكر وجودك”.