الرئيسية / كتاب الموقع / هل وضعنا المالي بخير؟

هل وضعنا المالي بخير؟

عبد المنعم عاكف الزعبي

نعم، ماليتنا العامة بخير. هذا ما تقوله لنا تقارير الجهات الدولية المختصة، وهذا ما تقوله مؤسسات التصنيف الائتماني، وهذا ما تؤكده أسواق السندات العالمية عندما يتم تسعير فائدة اقتراض الحكومة الأردنية دون كفالات أو ضمانات.

كما أن الحكومة اليوم ليست تحت ضغط الاقتراض الخارجي لمعالجة عجز الحساب الجاري للعملة الأجنبية. فالاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي إلى جانب ما يمكن جذبه من استثمار خارجي كفيلان بامتصاص الصدمات الخارجية على المدى المنظور.

أن تكون ماليتنا العامة بخير فهذا إنجاز مهم ورصيد يحسب للحكومة. أما ديمومة الاستقرار القائم والمسار العام للموازنة فذلك أمر أكثر تعقيدا.

وللأردن تجارب متعددة كان فيها وضعه المالي مستقرا، بل وأفضل كثيرا مما  هو عليه اليوم، كما في العام 2010، لتنعكس الآية وتنقلب المعادلة بسرعة فاقت تصور الجميع في أقل من عامين.

ولكن حينذاك كان أمام الحكومة العديد من الخيارات لمعالجة التراجع المالي، مثل رفع ضريبة الدخل، ورفع ضريبة المبيعات، ورفع الدعم عن المحروقات والخبز، وتعديل تعرفة الكهرباء، وتخفيض الهدر في الإنفاق.

أما اليوم، فلا نمتلك في الأردن القدرة على استخدام هذه الأدوات، التي استنفذت من جهة، وضاقت قدرة الاقتصاد هلى احتمالها من جهة أخرى.

مقابل هذه القدرة المحدودة للمناورة، لا يجد المراقب تخفيضا في الإنفاق، بل توسعا في معظم بنوده، كما أشارت توصية اللجنة المالية لمجلس الأعيان قبل إقرار موازنة العام 2024.

ومن ضمن هذا التوسع، تزايد في خسائر الكهرباء والمياه، وعودة لدعم المحروقات والسلع الأساسية، وضخ الدعم في الشركات الحكومية، بعد أن ساد الاعتقاد بأن هذه الملفات أصبحت من الماضي.

إيرادات الحكومة ليست أفضل حالا. فالضرائب الاستثنائية التي صاحبت ارتفاع أسعار الفوسفات والبوتاس ليست حاضرة هذا العام. وتراجع السياحة، والتبعات الأخرى للعدوان على غزة، لن تمر دون التأثير سلبا على إيرادات الخزينة.

في مواجهة هذه التحديات، لا يبدو الأسلوب المحاسبي الذي اعتمدت عليه الحكومة خلال السنوات الماضية لتحقيق أرقامها المستهدفة ضمن برامج الإصلاح مستداما.

فعلى الرغم من محاولات الحكومة تحييد مديونيتها لصالح صندوق استثمار أموال الضمان، لا يزال صندوق النقد الدولي يبرز الرقم الكلي للدين العام بواقع 114% من الناتج المحلي الإجمالي في مختلف تقاريره عن المملكة.

كما أن ما بدأ على هيئة تعديل محاسبي بموافقة صندوق النقد الدولي، تحول إلى استراتيجية تتطلب تحويل معظم استثمارات الصندوق نحو السندات الحكومية، دون ضمانات صلبة بأن يحقق ذاك الأثر المرجو فنيا أو عمليا.

فالاستقرار المالي ضمن هذا السيناريو لا يعتمد على الأساسيات والبيانات، بقدر ما يعتمد على تعاون وتضامن من يقرؤها.

وهنا علينا تذكر أن تساهل الجهات الدولية الذي أعقب جائحة كورونا لن يستمر إلى ما لا نهاية.

وعلينا أيضا الانتباه إلى أن التقلبات الجيوسياسية الحادة التي تمر بها المنطقة ترفع من مستوى المخاطر والمفاجآت غير المحسوبة بشكل عام.

نعم، نحن بخير، ولكن علينا تصحيح مسارنا المالي، وبسرعة.