الرئيسية / كتاب الموقع / من ذاكرة الطفولة / دكان الحج ابو راجوح

من ذاكرة الطفولة / دكان الحج ابو راجوح

الدكتور سعيد البشير

كنت في الصف الرابع الابتدائي ، وفي طريقي الى المدرسة ، وكانت المدرسة الوحيدة للذكور في الرمثا ، وكان موقعها مكان مدرسة ام كلثوم الثانوية للبنات حالياً . كنت أمرّ من أمام دكان الحاج محمد ابو راجوح ( رحمه الله تعالى ) ، وكانوا يسمونه الحج ابو راجوح .

كان رحمه الله تعالى من كبار تجار الرمثا ، يملك متجراً( دكاناً ) كبيراً في الحي الجنوبي من الرمثا ، يقع على الشارع الرئيسي ، مقابل منزل المرحوم احمد المحمد البشير الشقران ، وللتوضيح اكثر غربي بناية حاتم الزعبي الآن بسبعين متراً.
كان المتجر ( الدكان ) يحتوي على جميع المواد التجارية التي يحتاجها أهل الحي : الغذائية كالارز والسكر والزيت والسمن ، وبعض المعلبات ، وكذلك الخضار والفواكه الموسمية ، والكثير من انواع الحلويات : كالهريسة والبقلاوة والغريبة ، والمُطَعَم والفوندان ، وبيض الحمام والكعكبان، والفيصلية والمخشرم ، والمكسرات كالبزر والقضامة والفستق السوداني .
كما كان يحتوي على جميع حاجات الناس في ذلك الزمن : الأقمشة التي كان يخاط منها الالبسة الرجالية ( لم يكن في ذلك الزمن البسة جاهزة ) مثل الكلمنضو الذي كان يخاط منه سراويل الرجال ، وقماش الكتان والبوبلين الذي كان يخاط منه فمصانهم وغيرها من الاقمشة الرجالية ، وما يتبع ذلك من الحطات البيضاء ( والتي كان يطلق عليها شورة البوال ) وكذلك الشماغ “السلك ” الاحمر والازرق والعقال .
اما الاقمشة النسائية فكانت متعددة ومتنوعة ، منها قماش الحبر والملس الذي كان يخاط منه اثواب النساء السوداء ، اوالمرقّمة بالساتين ، والاقمشة التي كان يخاط منه ملابس النساء الداخلية ، وما يلزم ذلك من العصبة والملفع والشنبر. حتى احذية النساء المطاطية كانت موجودة،
ومن الاقمشة ايضاً تلك التي كان يصنع منها وجوه الفرشات كقماش الدامسكو، وقماش الاطلس لرؤوس المخدات وكذلك قماش الملاحف ، وغير ذلك من الحرائر
ومن لاشياء التي كان يحتاجها الناس في ذلك الزمن وكان يوفرها دكان الحج ابو راجوح : السرجة نمرة ٢ ونمرة ٣ وما تحتاجه من جرس و

بلورة وفتلة ، وكذلك مادة الكاز التي كان تستعمل في
هذه السرجة
كانت الدكان لا تخلو من بعض المواد الطبية الشعبية وكانت تسمى بعلبة العطارة ( الصيدلية ) وتحتوي على المواد التالية : المروحة والمرمكة والعنزروت والموميا والهوى الجواني والحصلبان وغير ذلك من المواد التي كانت الداية تحتاجه في العلاج . وكان هناك زيت الخروع والسلمكة التي كانت تستعمل للشربات
باختصار كان متجر الحج ابو راجوح بمثابة المول في هذه الايام .
لقد كان معظم الناس يشترون حجاتهم من المتجر بالدين، والكثير منهم يسدد دينه في الموسم ( او كما يقولون على البيدر ) أي بعد الحصاد والدراس وااستخراج الحب ؛ القمج والشعير والعدس . فكان الموسم الزراعي هو الدخل الرئيسي للفلاحين .
كان الحاج محمد ابو راجوح أميّ لا يقزأ ولا يكتب ، ويستأجر اجيرا يساعده في البيع وتسجيل الديون . ولما كان هذا الاجير يتغيب او يرسله الحجي في مهام اخرى، فقدكان يستعين ببعض من يقرأ ويكتب ( وهم اقلة ) لتسجيل الديون .
وكنت وانا في طريقي الى المدرسة في الصباح يناديني الحجي لكي اسجل له بعض الديون ، والحجي رحمه الله يربطني به عرق قرابة حيث انّ زوجته الحاجةفلحة ابو راجوح هي خالة والدي ، اي اخت جدتي ، ولما كانت جدتي قد توفاها الله قبل ان اخلق فقد كنت اناديها جدة . وفي صبيحة احد الايام كنت ماراً من امام دكانه فناداني كي أسجل له بعض الديون فقال لي اكتب : بيد فلانة بنت فلان بقرشين سكر وبقرش شاي ، ثم استأنف فقال : إيظة بقرش ونص هريسة. وبسذاجة الاطفال سألت الحجي وكنت احسب انّ ( إيظة) اسم امرأة ” مين هاي إيظة ؟ ” فضحك وقال ولك يا …. وشتمني إيظة يعني كمان ، ويقصد كلمة ايضاً، فقلت له انّ كلمة ايظة لم نأخذها في المدرسة .
كان رحمه الله بعد كل مرة اسجل له الديون يمنحني قطعةً من الحلوى ، وفي هذه المرة قلت له حجي بطلع لي عندك قطعتين ، واحدة للتسجيل والثانية بدل الشتيمة ، فضحك وقال : بتستاهل ولك يا وسكت خوفاً من اطالبه بقطعة حلوى ثالثة . وكان رحمه الله يمازحني كثيراً .
رحم الله الحاج محمد ابو راجوح ، ورحم الله اولئك البسطاء من الناس، من ابائنا واجدادنا الذين لم تتح لهم فرص التعليم ، ولكنهم على بساطتهم فقد احسنوا تربيتنا، وارسلونا الى المدارس لكي ننهل من العلم الذي كانوا قد حرموا منه .