الرئيسية / اخبار / الكرامة في عيد أمي

الكرامة في عيد أمي

الكرامة في عيد أمي

الدكتور عبد الله الزعبي
الذكرى تستدعي اليوم نسيم الصبا على استعجال، مسافة بضع أعوام من فحيح البترودولار، كان طعم الهزيمة ملتصقاً بالجوف ومرارته تلدغ اللسا ن والفؤاد، كانت وما زالت وستبقى تتلوى الكلمة الماً إذ تحبس في زانزانة الذات، تعاني خلجات النفس في كل شهيق وزفير. جاء الصبا والشباب والعمر كله مضى وبقي حزيران الأسود يشل كل حروف الأبجدية إذ يعجز القلم عن نسج القصيد وغزل القوافي، يترنح بين الكناية والمجاز، يرتعد خوفاً من قوى البطش والسطوة وضحالة البئر والقطيع. كل صباح وفي المساء، يتحفز اليراع لفضح ابليس، ليحذر من الدجال، يرتدي ثوب النقاء وعلى ضفاف النهر الضَّحضاح يعزف ناي الحانه الحزينة، يلتهم ثغر الصفحات بالقبلات، يلامس بأنامله المكسوة سواداً جنبات القرطاس، يثير فيها شهوة المعرفة والرغبة والزاد، يبادل الهوامش نفحات النشوة ويمارس في زوايا الظلمة كل رقصات وموبقات الفكر والخيال.
ساعة الغروب وضياء الكون تنسل صوب العتمة حيث أمي ترقد بآمان، تلك الحزينة ما فرحت يوماً، لم تفلت من قبضة الذكورية العقيم، تلك الساعة اصبحت طقساً وشعيرة تستذكر احزان ومواجع كل الأمهات…وأمي. ليت أمي مسحت حزيران من التقويم، ليتها اقتلعته بكبريائها وأنفتها من الذكرى والتاريخ، ليتها أودعته في القمامة مع البترودولار والسبحة وجنون النار.
هب أن أمي اليوم في لحدها تهلل بسلام لآذار الكرامة في آذار، في عيدها ويوم مولدها تزغد للكرامة ورجالها، لحديثة وجنوده، للفدائيين، لسمرة الرجولة، ثم بأظافرها اقتلعت عقم حزيران والذكورية المستوطنة في متاهة الجهل والعبودية فلا تلد الا الهوان. ليت أمي سمعت مغناي وأنا أردد مذ ذاك اليوم في الطفولة البعيدة: “ليتني لو لم أكن يوماً”، ليت آذار سبق حزيرن، ليت حزيران شطب من شهور السنة كلها.
ستستعيد أمي الكرامة يوماً، يومها وذكراها ولذة طعمها وحلاوة انتصارها، فلغز المصادفة لا يحيرني، أن تكون الكرامة في عيد أمي، أن تكون أمي أقرب الناس بصحبتي، ثم أمي ثم أمي، ثم أبي ثم تأتي الكرامة، تنبعث الحياة مع الكرامة، كرامة أمي.
د. عبدالله الزعبي.