العشم

محمود فلاح المحادين

(عشمتني بالحلق، خرمت انا وداني، لا وداني خفت ولا الحلق جاني)(مثل مصري)

قد تجد في بعض المعاجم تعريفاً للعشم على أنه الطمع وهذا تعريف يجانب الصواب فأن تعشم بشخص فهذا يعني أنك تحبه وتحسن الظن به وتأمل وتتمنى أن يأتيك الخير من خلاله فكما أن العتب على قدر المحبة فإن العشم أيضاً على قدر المحبة فنحن لا نعشم بشكل عشوائي، نحن عندما نعشم نكون قد إخترنا الشخص بعناية وشبه يقين بأنه لن يخذلنا ولن يذلنا ولن ينال من كرامتنا وهو يعطينا ما نطلبه أو ما هو تحت حكمه من فرص وسلطات…

التعشيم أقرب لإعطاء الوعود فإذا لم تكن متأكداً أنك قادر على إنفاذ وعدك فلا تقطعه على نفسك من الأساس فأنت عندما فعلت ذلك لم تكن هناك أي قوة مؤثرة عليك تجبرك على منح الأمل لشخص ظمآن يبحث عن قشة ليتعلق بها! لا تفعل ذلك سواء كانت نيتك طيبه أم لم تكن كذلك، قد تعتقد أنك بهذا تمنحه أملاً يعيش به لعدة أيام أخر ولكنك لا تعرف كيف سيكون شعوره عندما تنتهي هذه الأيام ويكتشف الحقيقة….

أحياناً نعشم أحدهم بأننا سنساعده فقط لنلقي من على كاهلنا ثقل وقوفه على بابنا طوال الوقت ناسين أو متناسين أن ما نملكه وسنملكه من مناصب ورتب وأموال إنما هو أمانة ثقيلة سنسأل عنها يوم القيامة قرشاً قرشاً ورتبة رتبة… فلا ضير أن نكون قساة في رد السائل إن كنا لا نملك له سبيلاً للمساعدة أما إن كنا لا نملك ونماطل في الآمال الكاذبة فهذه والله أذية سنحاسب عليها حساباً عسيراً…

عندما تأتي لأحد متعشماً فيه الخير بعد أن ضاقت بك الأرض وسُدّت في وجهك السبل فأنت تأتيه متعطشاً يملأك الأمل بأن تنتهي مآسيك هنا… إن المتعشم عندما يعطيه أحدهم أي بصيص أمل فإنه يراه أشبه برائحة طعام شهي تملأ أنفه في أشد لحظاته جوعاً فيغمض عينيه وتبدأ غدده اللعابية بإفراز اللعاب المليء بالإنزيمات الحامضة إستعداداً لتحليل الطعام القادم كيميائياً أما أسنانه فتبدأ بالإصطكاك إستعداداً لدورها الميكانيكي في تقطيع الطعام إلى أجزاء صغيرة تمهيداً لدفعها عبر البلعوم بحركة أفعوانية آلية لتصل إلى المعدة حيث تتم عملية الهضم النهائية! هذا ما يفعله وبعيشه ويحسه المتعشم في الأيام التي ينتظر فيها أن تتحقق وعود من عشّمه بالخير…

صاحبة المثل لم تكتفي بالإنتظار فيبدو أن عشمها كان كبيراً في من وعدها بالقرط الذي ستزين به أذنيها فإستعداداً لإستقباله ولشدة فرحها وحماستها ذهبت لتثقب أذنيها وثقب الأذن لمن لا يعرف يلتئم تلقائياً إذا لم يعلق فيه أي قرط إلا أن صاحبة المثل وعلى ما يبدو قد ثقبته بطريقة بدائية مما تسبب لها بإلتهاب لم تخف آثاره حتى الآن عدا أن الأقراط لم تأتي وربما لن تأتي..

محمود فلاح المحادين
الرياض ١٠-٧-٢٠٢٢

تعليق واحد

  1. محمد خالد بديوي

    نعم.. العشم على قدر المحبة
    لذلك يجب ان لا يخيب المتعشم.

    صديقي العزيز محمود فلاح المحادين
    شكرا على هذه التحفة الرائعة ..

    مودتي وتقديرى