الرئيسية / كتاب الموقع / بنات عبد الرحمن.. الأنوثة في أبشع صورها..

بنات عبد الرحمن.. الأنوثة في أبشع صورها..

 

د. عبد الله سمارة الزعبي

لطالما رنت في أذني تلك العبارة التي قيلت لي ذات سفر: “المرأة إذا فقدت حياءها فقدت أنوثتها”..

نعم يا سادة، لطالما كان الخجل والحياء سمتان تميزان الأنثى عن الذكر، على أن الحياء ممدوح في الجميع، فالحياء كله خير، وهو شعبة من شعب الإيمان، وفق تعاليمنا الدينية..

لكن باستعراض عابر لحديث الساعة حول فيلمي “الحارة” و “بنات عبد الرحمن”، ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فقد شاهدت الفيلمين كاملين، وليتني لم أشاهد، فما رأيت الأنوثة في أبشع صورها كما رأيتها فيهما، وتحديدًا في الفيلم الآخر منهما..

أما الفيلم الأول فكان ظاهرًا أنه يتحدث عن أحياء شعبية مكتظة ذات أغلبية من المكون الفلسطيني، والتي يكثر فيها مثل تلك الحوادث، وتكثر فيها عصابات البلطجة والإتاوات، وقد تناول حالة موجودة -شئنا أم أبينا- وكان واضحًا أنه يسلط الضوء -في أكثر جزئيات العمل- على معالجة هذه الحالة، التي طفى جزء منها على السطح خلال العقد الأخير بشكل لا يمكن تغافله، وعلى الرغم من ذلك فإنني أبدي تحفظي على الألفاظ السوقية التي كانت سمة بارزة في الفيلم، وكذا المشاهد المخلة التي أقحم أغلبها بشكل فج، وعلى استخدام أسماء أعلام الأمة لتجسيد أدوار الزعران والقوادين كـ “عباس” و “علي”..

وأما فيلم بنات عبد الرحمن، الذي كان واضحًا فيه أن قصته حدثت في منطقة الأشرفية في العاصمة عمان، فبالإضافة لوجود ألفاظ مخلة وإيحاءات جنسية كما في الفيلم الأول، إلا أنه تميز بإظهار الأنوثة في هذا الحي بأبشع صورها، وروج للرذيلة بإسم الحب في غير موضع، وأظهر أن بيوت الحي بأكمله لا تخلو من فلتان أخلاقي، وصوّر المتدينين بأبشع الصور، والأمثلة على ذلك متناثرة من بداية الفيلم وحتى نهايته..

ولن أتطرق في هذا النقد الموجز لمشهد الأختين اللتين تناولتا الكحول في الحمام، ولا للحديث الجنسي الذي دار بينهما، ولا للإيحاء المثلي من فتاة لأختها: “لو كنتي شب بعجبك”؟!

إلا أنني أستطيع أن أتخيل معكم في مقارنة سريعة تلك الثورة التي أحدثنها الأخوات الثلاث لتهريب الفتاة ذات الخمسة عشر سنة من مدرستها فرارًا من والدها الذي سيقوم بتزويجها، وأن والدتها المنقبة (أختهن الرابعة) حينما تمردت على قرار زوجها ووضعت ابنتها في السيارة وقادتها بسرعة خاطفة، ثم خرجت من المنطقة التي كان بالإمكان أن تضبط فيها من قبل الزوج، طار النقاب عن وجهها، وعلت محياها بسمة، ترافقت مع موسيقى تصويرية، وتركيز على ظهور نشوة الإنتصار على وجهها !

وكأن الصورة تمثلت في أن التمرد على القرار يقتضي خلع النقاب، وأن في خلعه السعادة، والخروج من رق التبعية !

ثم برز تمردها بضربها لزوجها، ودفعه، وقولها له بأنها كانت طوال عشرين عامًا عبدة له، وآن الأوان ليرى وجهها الآخر!

فهل نسوتنا يتسمن بهذه الصفات؟ وهل الأنثى غدت عبدة في مجتمعنا؟ وهل بديل الطاعة العمياء هو التمرد الأعمى والنشوز؟!

يبرز الأمر أكثر فأكثر حينما انتقدت الأخوات -بين ثنايا الكلام- القانون الذي يسمح بتزويج الفتاة في مثل هذا السن، ومن ثم يظهر في ختام الفيلم صمت إحدى الأخوات عن قيام ابنة المنقبة بالجلوس إلى جانب شاب في مقتبل عمره، ووضع يدها في يده، كنوع من تفريغ عواطفها بالسر، بإزاء موسيقى حالمة، ومؤثرات صوتية تجعل جميع المشاهدين يتعاطفون مع المشهد ويتقبلونه، ومن ثم قيام ذات الخالة بتهريبهما حينما يرتبكان لمشاهدتها إياهم، ولا يخفى أثر ذلك على “لا وعي” الجيل الناشئ، الذي سينظر للعفة على أنها اعتداء على الطفولة، وللرذيلة على أنها الحب الصادق البريء !

لم يكن ذانك المشهدان معبران عن خبايا الفيلم، بل تم اظهار قيام المنقبة بالتدخين سرًا وتنبيهها لأختها حينما اكتشفت أمرها: “أهم اشي ما حدا يعرف”، وتنبيه الأخت المحجبة “زينب” لأختها “ختام” التي “صاحبت زلمة وعاشت معه 8 سنين في دبي” أن خطأها كان في مجاهرتها، ومعرفة الناس لسلوكها، وإلا فالكل يعمل ذات الشيء دون علم أحد !

ويظهر من ذلك الإيحاء الواضح بأن المتدينين كتلة من النفاق، يظهرون التدين، ويبطنون الفجور، وأن مجتمعنا مجتمع منحل قيمًا وأخلاقًا، وأنه يتظاهر بالشرف ليس إلا..

ولن أتطرق لختام المشاهد حين قامت إحدى الأخوات بعمل حادث في الحي المكتظ وهي ثملة من فرط الشرب، فقام أهل الحي بالخروج من شرفات منازلهم، وبدأت أختهن المحجبة “زينب” باستعراض تاريخها الغرامي ومفاخرتها بأن القصة التي يتداولها أهل الحي عنها وهي في مقتبل عمرها لم تكن كما يقولون أنها مسكت يد الشاب وحسب، بل أنها قبلته كذلك !

ثم راحت تشتم عمها الذي ظهر من شرفة منزله بلحية وثوب وطاقية كصورة الرجل المتدين في مجتمعنا الأردني، والذي كان يتم الحديث عنه طوال الفيلم بالذم لأنه قاطع والدها جراء مخادنة ابنته لرجل في دبي وصمت الوالد عن ذلك التصرف..

الفيلم كان انتصارًا واضحًا للرذيلة على حساب الفضيلة، وبصفتي ابنًا لإحدى أهم العشائر المكونة لهذا الوطن، أقول بالفم الملآن: ليست هذه أخلاقنا، ولسن هؤلاء فتياتنا..

فنحن لم نعتد سماع تلك الملافظ الدنية حتى في أكثر المناطق الأردنية شعبية، خصوصًا وأن إحدى العبارات الواردة في الفيلم كانت تصف زوج إحداهن بأن “عقله أردني” وظهر الشماغ الأحمر في استقبال الرجال لأحد الأفراح، ما يظهر معه الإيحاء جليًا بأن المعني بهذا التوصيف من الإنحدار القيمي والسلوكي هو أبناء العشائر الأردنية، على الرغم من أن المنطقة التي احتضنت القصة تضم مكونات مختلفة..

وكواحد من أفراد العشائر الأردنية، التي يندر أن تقوم فتياتها بالتدخين، أو التلفظ بألفاظ قميئة، فضلًا عن أن يتناولن الخمر، ويُخادِنّ، فإنه يحق لي أن أعترض على ما ورد في هذا الإنتاج المسيء لنا، ولقيمنا وعاداتنا الأصيلة..

وأمام هذا التردي من الإنتاج السينيمائي يجدر بنا التساؤل: لماذا يجبن رأس المال الشريف عن خوض غمار التجارب الدرامية والسينيمائية ويترك المجال أمام المتردي من هذه الصناعة؟!

وأين دور الدولة الهاشمية في إنتاج ما يعبر عن رسالتها؟!

هل هو الشح على الخير؟ أو عدم الوعي بأهمية هذا السلاح في توعية وتحصين، أو تجهيل وتدمير الأمة؟

أم أنه لهث أرباب المال وراء الإستثمار الزائف فيما لا يجدي حفظًا ولا تطهيرًا للجيل الناشئ؟!

أسئلة برسم الإجابة..