الرئيسية / كتاب الموقع / الاختيار والدمار

الاختيار والدمار

 

بسام السلمان

يروى أنّ، والراوي امرأة، “أن عشرة أطفال كانوا يلعبون بجوار سكة حديدية، تسعة منهم اختاروا أن يلعبوا بجوار خط يمر عليه القطار كل فترة، بينما اختار الطفل العاشر اللعب بمفرده بجوار خط مهجور للسكك الحديدية”.

وقالت السيدة “حين لمح عامل السكة الحديد القطار القادم أصابه الهلع خوفاً على حياة الأطفال التسعة، الذين يلعبون على خط السكة، الذى سيمر عليه القطار،  فكَّر الرجل بسرعة، ” ويا ريته ما فكر “وقرر تحويل مسار القطار ليسير على الخط المهجور، حيث إن هناك طفلاً واحداً فقط يلعب هناك، فبذلك هو أنقذ حياة التسعة أطفال، أي أن هذا القرار حقق أقل خسائر ممكنة!!

تبسمت السيدة الراوية، وعدلت من جلستها وقالت “للوهلة الأولى يتبين لنا أن عامل السكك الحديدية قد اختار القرار الصحيح بمنطق الكم، ولكن حين نفكر بمنطق الكيف سنكتشف أنه قد أخطأ، فالطفل الذي ضحى به عامل السكة الحديد كان أذكى الأطفال العشرة، لأنه الوحيد الذى فكر واختار القرار الصحيح باللعب فى المنطقة الآمنة، أما البقية الذين أنقذ العامل حياتهم فهم الأغبياء والمستهترون الذين لم يفكروا بطريقة صحيحة، واختاروا اللعب في منطقة الخطر”.

وتقول الراوية، وهي سيدة في الاربعين من عمرها” ربما يبدو أن هذا التحليل غير منطقي وغير عاطفي لدى البعض، إلا أن هذا هو الفارق الشاسع بين المجتمعات التي تصنع الذكاء والغباء بين أفرادها، فالمجتمعات الغبية تضحي بالأذكياء والأكفاء، أما فى المجتمعات الذكية عند الدول المتقدمة فتلهث القيادات وراء العقول، وتنفق عليها؛ لأن الأذكياء والعقلاء والنابهين يقودون المجتمع ويصنعون السعادة حتى للأغبياء أيضاً .

وتؤكد السيدة التي روت القصة بعد ان اخفت شعيرات بيضاء ظهرن من تحت حجابها الاسود، اكدت وهي تبتسم” ان في بعض المجتمعات البعيدة عنا، واكدت كلمة بعيد عنها ثلاث مرات خوفا من ان يقدم احد ما على رفع دعوى قضائية بالسب والذم والتشهير، اكدت ان اصحاب الاموال يشترون المناصب والمكاسب والعقول والكراسي ويوزعون ما تبقى وراءهم على البسطاء والفقراء والمتمسحين والباحثين عن بقايا المؤائد والعزايم والراكضين خلف مُلّاك المال الاسود للحصول على القليل من كلمات الشكر والطبطبة كونها من يد هؤلاء بركات ونعم” وتقول تلك السيدة الجميلة ان هذا الاختيار هو نفسه الدمار.

وقبل ان تنهض تلك السيدة من مجلسنا، رشفت اخر رشفة فنجان من قهوتها وللملت اغراضها من تلفون ومفتاح السيارة وقنينة مياه بلاستيكية ترافقها وقالت ” يختارون لمجالس الوزراء ولمجالس النواب وللمجالس البلدية وللاندية وللجمعيات ولادارات الاحزاب ولجلسات النسوان وقعدات الزلم بنفس الاسلوب ونفس الطريقة، عد رجالك ورد المي”.

ملاحظة” هذا المقال من وحي الخيال، وأي تشابه أو تطابق بينه وبين الواقع فهو من قبل سوء الحظ وليس لي فحسب، بل لتلك السيدة الاربعينية ذات الحجاب الاسود والقليل من الشعر الابيض.