الرئيسية / كتاب الموقع / التَّكاوُس في الرجال.. من قَطْرَمِيز واحِد

التَّكاوُس في الرجال.. من قَطْرَمِيز واحِد

ابراهيم صالح صدقة

التَّكاوُس في الرجال
(من قَطْرَمِيز واحِد)
خُيِّلَ للعامة من الناس أن هؤلاء الرجال -كما يبدو للعيان- أهل خبرة ومشتغلين بالحكمة -أبكارها وعرائسها- يصوغون جُلَّ نتاجهم –فرائدها ونفائسها- بالمنطق أمام الرائي، ومن فرط منطقهم يستجرون لك التواضع مختصرًا قولهم: فضلك مندرج علينا صِبْغَةً مذ أن … إلى أن …! ويوهمونك أملًا أن لديهم “كيس الرّاعي” يُبْرِئُ الآلام وأن “الليل أصبح”. وفي داخلهم عُلُوٌ يجعل أهلها شِيَعًا يستضعف بعضهم بعضًا. وفي الأثناء يسمعون صدى هتاف قادمٍ من محسوس يذكي فيهم غير مُبْتَغَى الإمام وهو في حالة نزاع “ليس بعد” …! إنهم منجرُّون نحو ضوابط قِيَمِيَّة توصلهم إلى حيز مستقل منسلخين عن “صِبْغَة مذ أن … إلى أن …!”. يندرج تصورهم ليس في باب “إنتاج الأفلام الإنثروبولوجية” فحسب بل تعداه إلى إن أصبح إعلامًا وإعلانًا.
لم يكن ذلك ناجمًا عن قصور في الوعي الثقافي الاجتماعي؛ إنهم ينتزعون تقاسيم من الكتاب يُلبسون بها معنى لكلمات وعدوا بها العامة مخالفين أصول منهجٍ تَرَبَيْنا عليه “صِدْق الظاهر الباطن”. يمازجون بين الفلسفة والمنطق ليدخلوا أثر ذلك في الروع، فنتج أثرٌ سابرٌ انصرف إلى المحسوس أنه يسعى. أوجف القوم منه خيفة من هول ما شُبِّه لهم إلا أولائك المنصرفون لفهم المنطق بعمق اللغة فهو مأخذهم في تتبع فهم التاريخ من غير تَشَيُعِ الذي يرى فيه ابن خلدون: “إنه قوة لا يُقاوم، وسواه الباطل يقذف بسهام النظر شياطينه”. أما العامة، والمنشغلون بالمنطق مُزْوِين اللغة جانبًا فخالهم ذلك أنه صِدْق. فالمنطق لديهم –كما عركتنا التجربة- إنها الصورة المشرقة لتنميق الألفاظ يتيه بها السامع فتبعده عن جوهر الحدث وترمي بهم إلى حاشية يُصَوَّرُ من خلالها أن مصباح علاء الدين بين يديهم استنقذوه بأسفارهم، وإن الرجال قادرون على استحضار ما هو أبعد من تصور العامة وحتى المنشغلين بالمنطق.
الوطن وإن جف بعض منابعه فالأم ولود ولا تُقهر، تُلْقي في الروع أن ما كنّا نحسبهم رجالًا لا سند يقوي عضدهم إلا ما يُرْمى أمامهم من فتات غواية. وحال لسان الأم يقول: دَرَاكِ نائبًا وَعى المنطق في ماعون التاريخ واللغة! ودونَك “فالعقلُ في ذا الزّمانِ حِرْمان”. فهؤلاء قلما يُسْتَعْملُون فيما ينفع الأمة ويُهمها، فنسبهم الانتمائي مرجوح “لهَيَّان بن بيَّان أو لطامر بن طامِر”. وهم أقرب بوصفهم لِما نُشِد: لأنْكِحَنَّ بَبَّهْ – جِاريَة خَدَبَّهْ – مُكْرَمة مُحَبّهْ – تَجُبُّ أهْلَ الكَعْبَهْ.
إبرهيم صالح صدقة

تعليق واحد

  1. أهنئك على سلامة اللغه والمنطق. حفظك الله وزادك علما.