الرئيسية / كتاب الموقع / قاتل العالم شخصية العام

قاتل العالم شخصية العام

راجح الخوري
الرمثانت

يقفل العام مرة ثانية على سوريالية مخيفة، عندما تبدو كل دول العالم مثل كرة قدم تتقاذفها متحورات متلاحقة، يوزعها لاعب قاتل لا يُرى بالعين المجرَّدة، وهو جائحة كورونا، التي تجهد لتدخل التاريخ الإنساني التاعس، من بوابات الأوبئة المميتة مثل الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت 40 مليون إنسان، فلقد قتل «كورونا» حتى الآن 5.4 مليون إنسان، وأصاب حتى الآن 280 مليوناً، آخرهم مليون يوم الأربعاء الماضي، ووضع المصابين في المستشفيات التي لم تعد تستوعب، والمجتمعات وراء الكمامة، والإنسان في الوحدة والابتعاد عن الآخرين، وأخيراً بأن يزرع رقاقة بحجم حبة الأرز تحت الجلد، لتكون هويته الثانية الضرورية التي تبيّن أنه تلقى اللقاحات المتلاحقة، التي يبدو أنها لن تتوقف تعزيزاً للحماية، وطبعاً لزيادة مليارات المصانع التي تنتج اللقاحات والرقاقات.
يوم الأربعاء الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الخطورة التي يمثلها متحور «أوميكرون» عالية جداً، في وقت سجلت دول كثيرة في العالم، من الصين إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا والقارة الأفريقية، أعداداً قياسية للمصابين بسبب المتحورات شديدة العدوى من «دلتا» إلى «أوميكرون».
وإذا كانت وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية درجت على اختيار شخصية العام للشخص الأكثر فاعلية دولياً وتأثيراً إيجابياً وإنجازاً مفيداً، ففي ظل هذا العالم الذي يئن موتاً واختناقاً، ومرضاً ويبحث عن قارورة أوكسيجين، ومع اقتصاد يعاني ويترنح تحت قرارات الإغلاق، وكآبة إنسانية تتعمق مع التوحّد، وتراجع مستويات التعليم، وضيق مساحات التفاعل الاجتماعي، ومع عيد تاعس وموحش لنهاية سنة، في ظل كل هذا يتقدم وباء كورونا معربداً ويقتحم الأبواب صارخاً: أنا شخصية العام مرة ثانية!
من يستطيع أن يعترض، عندما تقول صحيفة «الغارديان» مثلاً، أنه لم يكد نصف سكان دول أوروبا، أي 250 مليون إنسان يخرجون من الحجر الصحي العام الماضي، حتى أعادهم «أوميكرون» و«دلتا» إلى حجر أقسى، وهذه إجراءات لم يعرفوها منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن 60 في المائة منهم يؤكدون رغبتهم في التزام العزل والعمل من البيوت، وفق استطلاع أجرته هيئة «إيفوب»، بما يعني أن الجائحة أثّرت على أطباع الناس، وأن تجربة الإغلاق العصيبة والطويلة داخل البيوت غيرت الأمزجة وقلبت قواعد الاختيار والاجتماع!
العالم تحت وطأة ضربة غير مسبوقة للاقتصاد، ويقول غاي رايدر، مدير منظمة العمل الدولية «إنها قطعاً الأزمة الأصعب منذ الثلاثينات عندما واجه العالم الكساد العظيم»، ذلك أن الخسائر على مستوى العالم العام الماضي تجاوز 3.7 ترليون دولار، وهذا أمر استثنائي، في حين تقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير عن التعليم «إنها سنوات لا يمكن تعويضها بعد زيادة التفاوت في حق الأطفال في التعليم».